تقدم السيد حات واعتلى منصة المعلمين إلى جوار السيدة مور ليلقى كلمة لبشير وفى عينيهما نظرات الإكبار والتوقير له ، تعابير الود والسعادة لم تفارق وجههما حتى انتهى الكلام !
حات : سيد بيش – را ! قلت من قبل أنك أشرف من توليت حراسة امنياتهم ، لا زلت أعيدها عليك ، فما رأيت بين من سبقوك من جعل الناس شركاء له فيما حصل عليه ، ولهذا فائذن لى أن أساهم فى وضع اسمك فى سجلات التاريخ بأحرف من نور ، أياديك البيضاء هذه ستتذكرها أجيال وأجيال حتى تنتهى الحياة على كوكبكم ، ستكون رمزا أمام كل بلدان العالم يضربون بك المثل ، فما ستقدمه ليس بالهين على البشر ، لكنه فى صميم حاجاتهم ، كلى ثقة بك فى تنفيذ ما سيُطلب منك ، فقط استمع لما سيقوله العلماء وانتبه لكل حرف فيه ، وبعد الدرس لنا حديث آخر ، ثم أشار لأول العلماء وأكبرهم ليتقدم مكانه وهو يدير شاشة عملاقة ، أضاءت الشاشة وكان العنوان ” مشروع الرباعية ” ، ظهرت ملامح الحيرة على وجه بشير لرؤية الإسم حتى فسر له العالم مفهومه !
بشير : لم أفهم هذا الإسم يا سيدى
المعلم الأول : تعلم سيد بيش – را أن أكبر مشكلات العالم هى الغذاء والإسكان والاقتصاد ، أليس كذلك !
بشير : نعم يا سيدى ، لكنى أقصد العنوان !
المعلم الأول : إن المشروع الذى نعهد إليك به رباعى الاتجاهات ، فهو يشمل زراعة وصناعة وتوليد طاقة كهربية وإسكان كذلك ، لا تندهش ، بعد قليل ستفهم ، هل تعلم شيئا عن ما يسمى بـ “منخفض القطارة ” !
بشير : نعم أعلم عنه الكثير
المعلم الأول : هذا هو مشروعك سيد بيش – را ، ستبنى بيديك مصر جديدة ، ولكن فى البداية استمع لهذا الشرح ! أول من فكر في المشروع كان البروفيسور هانز بنك استاذ الجغرافيا في جامعة برلين عام ألف وتسعمائة وستة عشر لكن عبر العصور تلاشت الفكرة ، وأنت من سيجعلها حقيقة .
إن منخفض القطارة هو منخفض عملاق يقع في الصحراء الغربية بمحافظة مطروح وأقصى انخفاض له يبلغ مائة واربعة وثلاثون مترا تحت مستوى سطح البحر ويمتد من الشرق إلى الغرب ، طرفه الشرقى يقترب من البحر الأبيض المتوسط عند منطقة العلمين ، وتبلغ مساحته حوالي عشرين ألف كيلومتر مربع ، بينما يبلغ طوله حوالى ثلاثمائة كيلومترات وعرضه حوالى ثمانين كيلومترا عند أوسع نقطة فيه ، ويبدأ المنخفض من جنوب العلمين على مسافة مائة كيلومتر تقريباً ، وأول خطوات مشروعك هذا هو توصيل المنخفض بالبحر المتوسط عن طريق شق قناة بطول خمسة وسبعين كيلومترا تندفع فيها مياه البحر الأبيض المتوسط إلي المنخفض الهائل فتتكون بذلك بحيرة صناعية من ماء البحر تزيد مساحتها عن خمسة عشر ألف كيلومتر مربع ، وأول ما فى ” الرباعية ” هو توليد الطاقة الكهربية عن طريق بناء سد عملاق مع استغلال انحدار المياه بقوة للبحيرة ليصل معدل الإنتاج إلى ألفين وخمسمائة كيلووات فى الساعة ، أى ما يعادل مائتين وعشرة آلاف ميجا وات سنويا ، بمعدل إنتاج أكثر من السد العالى الذى ينتج فقط ألفين ومائة ميجا وات سنويا ، أى ضعف إنتاجه مائة مرة ، سيحقق ذلك مليارات الدولارات سنويا ويزيد من فرص الاستثمار الصناعى فى المنطقة وبالصناعة نصل لثانى ما في الرباعية ، أما الثالثة فهى تخص الزراعة وكما قلت أن مساحة منخفض القطارة تبلغ نحو عشرين ألف كيلومتر مربع لو فرضنا أن عمق المنخفض متر واحد فقط فستكون سعته عشرون مليار متر مكعب من المياه المالحة ، لكن بما أن عمقه مائة واربعة وثلاثون مترا فستكون سعته تريليونين وستمائة وثمانين مليار متر مكعب من المياه ولك أن تتخيل أن كل ما تستهلكونه سنويا من مياه النيل هو فقط ما يقارب الثمانين مليار متر مكعب ، فماذا لو جعلنا مياه البحيرة المالحة هذه مياها عذبة تصلح تماما لأعمال الرى والشرب ! ألا ترى ما لا يتصوره عقلك الآن ، سيكون بإمكانك شق الترع والقنوات العذبة في عمق الصحراء الغربية لزراعة أكثر من عشرين مليون فدان سيتم بالفعل استصلاحها ، فماذا بعد ذلك ! أربعة أضعاف مساحتكم المنزرعة حاليا ، ألن تدب الحياة في أوصال الصحراء وتتغير طبيعتها المناخية لتصبح جاذبة للسكان ، ومع بناء المصانع التى ستقوم في أساسها على المنتجات الزراعية ومشتقاتها وما سيتم بناؤه في تلك المناطق فلن يبق في مصر رجل واحد بلا عمل أو بلا سكن ، وهنا تكتمل الرباعية ببناء المساكن فضلا عن شق الطرق وتحويل وجه ما يزيد عن ستمائة وثمانين ألف كيلومتر مربع إلى الوجه الأخضر العامر بالحياة ! انظر سيد بيش – را للمنطقة بعد نهاية مشروعك ! نظر بشير للمشهد النهائى ثم وقف على قدميه والحماس يدب في أرجاء جسده وهو يسأل عن إمكانية هذا وكم التكاليف ، تقدم إليه العالم الثانى ليشرح تكلفة كل جزء على حدة !
المعلم الثانى : بدايةً سيتم العمل في ثلاثة جوانب على التوازى كسبا للوقت ، بناء السد وملء البحيرة واستصلاح الأراضى ، اما حفر القناة الواصلة بين المنخفض والبحر الأبيض فلن يكلفك أنت شيئا ، سنقوم بها دون تدخل منك ، أما عن عملية بناء السد فيكفيها ستة مليارات من الدولارات وعملية التحلية ربع هذا المبلغ وأما عن الاستصلاح فأقل بكثير ، ويمكن التمويل بين ثلاثتكم ، نصير وخليل وأنت ، بعد قليل سيأتيك الخبر من نصير ببيع كل ما وجدتم ، وستجد أرقاما فلكية في محصلتك ومحصلتهم ، سيكفى نصف ما لديك انت وحدك لإنهاء المشروع على تمامه ، لكن يجب أن يظهر خليل ونصير معك في الصورة كى لا تثير التساؤلات ، اما عملية التحلية فسوف تتم بنظام ” التناضح العكسي ” وفيه ينتقل الماء من المحلول الأعلى تركيزا نحو الأدنى عبر غشاء شبه نافذ باستخدام الضغط ، وهي طريقة متَّبعة لتنقية المياه بمرورها بعدد من المراحل يفصل بعدها الماء عن الأملاح والمعادن الأخرى تماما ولذا سيتم تقسيم البحيرة لنصفين ببناء الحاجز الذى سيحمل الأغشية النافذة ، ليصبح نصفها عذبا ونصفها الآخر مالحا ، وفى الجزء المالح يمكنك الاستفادة من الملح ببيعه ، أما عن عملية الاستصلاح فلا تقلق منها ، عليك اولا بتمهيد الأرض واستعدالها بيد عمالك ونحن معك ، وفي خلال ستة أشهر فقط وباستخدام تركيبة كيماوية معينة صنعت في معاملنا وتشبه المخصبات التى سيقوم العمال بنشرها في كل الأنحاء وبعدها سترى تلك التربة المتنوعة الألوان ما بين الأصفر والأبيض والأسود كلها صالحة لزراعة القمح والعديد من الخضروات والفاكهة سنعطيك بها جدولا وخارطة بالأماكن التى سيصلح فيها هذا او ذلك ، كل ماكينات الرفع والسحب والضخ بإمكانك تصنيعها في مصنعك بعد استيراد بعض الماكينات والمخارط ، وهذه دراسة شاملة مستفيضة لكل ما أردنا الحديث فيه ، والآن مع المعلم الثالث ليشرح لك خارطة الأفدنة وما يمكن أن يجود فيها من مزروعات !
وانتهت الجلسة بعدما استوعب بشير كل ما فيها بالحرف الواحد وقبل أن يحمل الدراسة والخرائط اعتلت السيدة مور المنصة ووقفت أمامه لتقول !
مور : سيد بيش – را ! حينما ترى بعينيك كل هذا حقيقة فتذكر أنك أردت منه نفع الناس فحسب ، فلا تتركه حتى تطمئن أنه قد وصل لما كنت تريد ، واجعل سعيك منذ البداية لأن تكون صاحب اليد العليا فيه ، هذه وصية أدرك أنك لن تنساها ، تمنياتى لك بالتوفيق سيد بيش – را !
حات : بعد أيام قليلة سيعلو موج البحر بشكل غير معتاد ليشق طريقه في الساحل بعمق سبعين كيلومترا وستبقى الخمسة كيلومترات المتبقية للقيام بأعمال بناء السد ، كن مبادرا فلن يقف امامك أحد ، سنكون معك بكل ما ترغب وسترى العجائب فى اختصار الوقت للانتهاء من هذا الأمر على أحسن صورة ، تهنئتى لك سيد بيش – را بما ستحققه ، إلى لقاء في القريب !
اتصل نصير ببشير ليهنئه ببيع آخر قطعة في المخزن وطلب منه أن يذهب إليه ليحمل باقى نصيبه الذى تخطى الستين مليارا من الدولارات ، ابتسم وهو يتخيل كيف كان يمكنه نطق هذا المبلغ في العام الماضى ، حمله في سيارة نقل وقادها بنفسه يتبع خطوط سير مختلفة في حراسة مور- حات ، حتى بلغ الفيلا وهو يعرف إلى أين سيذهب ذلك المال ، وبعد أيام تعرضت منطقة العلمين لما يشبه الإعصار الذى أصاب البحر بحالة من الجنون فصار يفيض على الساحل وفى لحظات فوجئ الجميع بصدع يحدث في الأرض لتنشق مكونة ما يشبه القناة التى رآها بشير في مدرسة الدر المنحوت ، فاضت فيها مياه المتوسط وتقدمت ، رآها الجميع كارثة أو سببا للمزيد من التصدعات الأرضية بينما كان بشير يتابع وهو مبتسم ، حضر إليه السيد حات في ليلة وطلب منه أن يفتح التلفاز بعد نصف الساعة ثم ذكره بأن يكون مبادرا ، الآن يعرفه الجميع ! وفى الموعد فتح التلفاز على قنوات التليفزيون المصرى !
المذيعة الجميلة فائقة الأنوثة ” ك – س ” : أهلا بكم سيداتى وسادتى بالطبع كلنا تابعنا في الأيام الماضية ذلك الحدث العجيب بارتفاع مياه البحر قرب منطقة العلمين ونحرها للساحل حتى إن فيه تقارير بتقول إن فيه زلزال وقع في تلك المنطقة نتيجة الضغط فشق البحر طريق لنفسه باتجاه منخفض القطارة ، ولكى نستوضح المزيد معنا ومعكم الخبير الجيولوجى دكتور أدهم أبو حسين الأستاذ في جامعة ….. إلى جانب أستاذ الجغرافيا دكتور حمدون الميرغنى الأستاذ بجامعة …… أهلا بكم ضيوفنا الأعزاء واسمحولى أسألكم وأوجه اول سؤال للدكتور أدهم أبو حسين : دكتور أدهم حضرتك شايف الحدث ده ازاى ؟
دكتور أدهم : أنا شايف إن البحر الأبيض قل معانا وكده غلط ومش هانعديهاله بقا إحنا معروفين في العالم كله واسمنا زى الطبل مايجيش البحر الأبيض يعلم علينا !
المذيعة : حضرتك بتتكلم عن حد ثبتك وانت مروح بالعربية وخد فلوسك ! بنعتذر للسادة المشاهدين وبأوجه سؤالى ده للدكتور حمدون الميرغنى !
دكتور حمدون : هو إيه السؤال يا قمــ ! إحم ، أقصد إيه هو السؤال عشان أجاوبك أنا عمرى ما اتأخر عنك أبدا ، إإإإإ ولا عن السادة المشاهدين طبعا
المذيعة : حضرتك كيف ترى هذا الحدث !
دكتور حمدون : شوفى حضرتك ! تخيلى كده إنك كنتى بتستحمى في البانيو وقالعة ملط وانا فتحت عليكى باب الحمام هييييح ، إيه ممكن يكون رد فعلك وانتى شايفانى باتفرج عليكى !
المذيعة : يا دكتور أنا مش فاهمة رد حضرتك ده وبعدين …!
دكتور حمدون : ما تقاطعينيش بس واستنى أفهمك ، لو ده حصل هاتفضلى في قلب البانيو تشتمى وتصرخى لكنك مش هاتخرجى منه أبدا ، ليه بقا ! عشان هاتبقى خايفة إنى أشوف كل الـ…….. الحاجات !!
المذيعة : لو سمحت وضح وجهة نظرك بشكل تانى أرجوك ده برنامج محترم ومشاهدينه محترمين ومقدمة البرنامج محترمة فلو سمحت غير طريقتك في الكلام !
دكتور حمدون : يا افندم لو سمحتى خلينى أكمل ، حضرتك وانتى بتصرخى في قلب البانيو ومنفعلة أكيد هايحصل طرطشة من المايه اللى في البانيو ، لو المية اللى نزلت دى نزلت بقوة او كان السيراميك عندك بميل شوية هتلاقيها تمشى مش هاتقف في مكانها ! صح ولا غلط !
المذيعة : فعلا مظبوط ، كمل حضرتك !
دكتور حمدون : هو ده اللى حصل في البحر بالظبط ، زلزال في قاع البحر حرك الميه خرجت منه دورت على أضعف مكان فيه وشقت طريقها مع الانحدار ، المية لقت الخرم اللى تدخل فيه ، حست بدفاه ونعومته ، مشيت في قلبه وهى مستمتعة ، أول ما دخلت حضنها الخرم واستقبلها بفرحة ! وساب نفسه خالص لحركاتها جواه تروح مكان ماهى عاوزة !
المذيعة : أنا مش فاهمة هو ده كلام علمى !
دكتور حمدون : لا ده كلام أدبى هههههههههه
المذيعة : مع فاصل إعلانى ونرجع لحضراتكم ! اطلع بره يا حيوان انت وهو ، ورحمة امى ما انا ضاربة الإعداد إلا بالشبشب ، جايبلى اتنين مساطيل وتقول لى خبرا يا ابن الوارمة
المخرج : هوا يا أستاذة هانطلع هواااا ارجعى مكانك بعد إذنك
المذيعة : ورجعنا لحضراتكم من جديد ومعانا اتصال من رجل الأعمال المشهور بشير عز العرب ، أهلا بحضرتك يا افندم !
بشير : أهلا بيكى يا افندم وتحية ليكى ولجمهورك الكبير
المذيعة : اتفضل يا افندم في الكنترول بيقولولى ان حضرتك بتتصل بخصوص الحدث العجيب اللى كنا بنتكلم عنه قبل الفاصل مع الخبرا الحيــ ! الحيويين في مجال الجيولوجيا والجغرافيا
بشير : تمام ، كلامى عن طريقة استغلال الحدث ده وتحويله لحدث مفيد ينفع مصر ويغير الخريطة الجغرافية ، أنا أحب أتوجه للمسئولين بكلامى ده ، أنا باطلب لقاء عاجل مع كبار المسئولين في مجالات الزراعة والصناعة والطاقة لأن اللى في دماغى لابد يوصل لأعلى المستويات ، اللى حصل ده هايكون أكبر خير وصلت له بلادنا يا افندم
المذيعة : أكيد حضرتك قامة كبيرة جدا في مجال الصناعة ومش هاتتكلم إلا بما هو حقيقى وأنا باضم صوتى لصوتك وأطالب المسئولين بتنفيذ رغبة الأستاذ بشير عز العرب في اللقاء وأكيد هما سامعيننى دلوقتى ! لحظة يا افندم خليك معانا أستاذ بشير ! معانا المهندس سمعان الفولى مسئول ……
المسئول الكبير : أهلا بيكى يا أستاذة ، تحياتى ليكى ولكل جمهورك ، طبعا أنا أتمنى دايما إن بلدنا يكون فيها شباب واعد وواعى زى الأستاذ بشير وأنا واثق في كل أفكاره اللى أكيد هاتنقلنا نقلة تانية زى ما نقلنا من مجال المستوردين للسيارات لمجال المصدرين ، وتحت امره في أى وقت لو يشرفنا ، وانا هاكلم المسئولين من كافة المجالات لعقد الاجتماع اللى هو عاوزه في أى وقت يناسبه
وتم تحديد موعد ومكان الإجتماع ، وضع بشير بين يديهم أفكاره كاملة ، كانوا صامتين تماما وهم يستمعون إليه حتى ذكر لهم انه سيقوم باستئجار الأرض التى سيقام عليها المشروع بأكملها لثلاثة أعوام من الدولة بمبلغ مائة مليار جنيه مصرى كما أن تكاليف المشروعات كاملة لن تكون إلا من ماله ومال شركائه ، وسيتم تسليم المنطقة في خلال ثلاث سنوات فقط كما هى في الصورة النهائية هدية منه للوطن ، ولو لم يحدث ذلك كما هو مقرر فهو مستعد لأى تعويض ، انفرجت أساريرهم وقاموا بإعداد التقارير الداعمة لمشروعه ورفعوها للجهات العليا لأخذ الموافقات ، كونت الجهات هيئات إشرافية جعلها بشير لا تتمكن من المتابعة حتى لا يعرفون أن الأمر لا يقتصر في تنفيذه على إمكانيات البشر ، اشترط كذلك على الأجهزة أن تحبس عنه الإعلام بكامل صوره حتى ينتهى تماما من المشروعات ، وما هى إلا أيام حتى بدأ العمل ، تم بناء السد كما هو موقعه في داخل الدراسة ، وتم تجهيزه لبدء انطلاقته وتوصيله بالمحطات المتتابعة ، أما عملية النقل الكهربى وإنشاء الاعمدة ومد الأسلاك فتكفلت بها شركات نصير وفق الخرائط التى أقرتها الجهات المختصة في ذات التوقيت على التوازى مع البناء ، ومع نهاية اول عام كان العالم يتحدث عن تصدير الطاقة الكهربية بشكل مفاجئ من مصر إلى شمال وغرب القارة الأفريقية ، وفى نفس الوقت كان التعديل والتمهيد للأرض التى سيتم استزراعها ، وفى معامل الدر المنحوت تم تجهيز التركيبات الكيماوية التى تم نشرها بآلاف الأطنان فوق التربة بطول وعرض السبعة ملايين فدان ، كما تم شق الترع والقنوات وفق الخرائط بالاستعانة بشركات نصير وخليل الحلوانى ، كما قامت الشركات كذلك بشق الطرق وفق تخطيط محكم ، وتم إعداد المناطق التى ستكون لبناء المدن بعد إكتمال المشروع ، وحينما انطلق الماء داخل المنخفض كان يفيض بسرعات مذهلة ، امتلأ النصف المالح من البحيرة الصناعية في غضون سبعة أشهر دونما استخدام لأى طلمبات رفع ، كان بشير يفهم السر الذى لا يعرفه غيره ، كانت قد تمت عملية بناء الحواجز التى تحمل أغشية النفاذ لإكمال عملية التناضح العكسى لأجل تحلية الماء ، وفى غضون سبعة أشهر أخرى كان امتلاء النصف العذب من البحيرة وتم شق الترع وتوصيل المياه لها عن طريق طلمبات ومضخات الرفع ذات الكفاءة العالية ، وانطلقت المياه العذبة في الترع والقنوات تعانق أرض الصحراء الغربية التى كانت قد تمردت على لقب الصحراء ، لم تعد صحراء .
ثلاثة أعوام لم يفعل بشير فيها شيئا غير متابعة وتنفيذ هذا المشروع الذى انتهى في فترة تحقق رقما قياسيا وبأيد عاملة محلية بلغت في مجملها مائة ألف عامل كانوا اول من وضع نواة المدن الجديدة في جوار الأرض التى اخضرت بعد ثلاثة أعوام فقط من لقائه بالمسئولين ، عشرون مليون فدان كان نصفها من القمح الذى عولجت بذوره حتى تكون زراعته على مدار العام ، وبتعديلات جينية في معامل الدر المنحوت فصار القمح يُزرع صيفا وشتاء ، وتنوع النصف الثانى في زراعاته ما بين الخضر والفواكه على اختلاف أشكالها ، بينما مصنعه للسيارات صار مصنعين في غياب تام عن الإعلام ، زياراته للجيزة كانت مرة كل شهر تقريبا ولمدة لا تزيد عن الساعات يرى فيها امه ويطمئن على أخيه وأسرته ، كانت دعوات أمه له لا تنتهى ، مع اكتساء المساحة كلها باللون الأخضر كان اليوم الذى قرر فيه التصوير لكل ما قد تم فكان السماح لأجهزة الإعلام بالذهاب لمصر الثانية ، وهناك وقف الجميع في ذهول يشاهدون ما أسفرت عنه الأفكار المدعمة بالعرق والكفاح وبالتوفيق ، تم تجهيز احتفال ضخم بنجاح المشروعات وبدء تدفق ثمارها حضره كبار المسئولين والوجهاء ورجال الأعمال الذين قرروا المساهمة في إكمال المدن الجديدة على الرحب والسعة ، وتم نقل الحفل على كل القنوات التليفزيونية ، ألقى كل المسئولين بكلمة والكل يناشده أن يتولى بنفسه رئاسة مجلس إدارة المشروعات كاملة بمن يحب من معاونين يختارهم بنفسه ويبقى طيلة عمره هو المشرف عليها بشكل كامل ، وحانت كلمة بشير الذى وقف والميكروفون في يده يقول !
بشير : من أربع سنين أو أكتر لو كان حد قال لى إنى هاقف قدامكم وانتم كلكم فرحانين بيا وبتحيونى ماكنتش صدقت ، يمكن حتى كان صعب أصدق وجود شركائى نصير وخليل جنبى في مكان واحد ، طول عمرى ماكنتش اعرف إنى أحلم ، كنت شايف نفسى أصغر من أى حلم ، لكن في لحظة لقيت نفسى بانتقل في حياتى نقلة تانية ، نقلة غيرت طريقة تفكيرى وحولت مسار أحلامى لاتجاه تانى ، بطلت احلم لنفسى ، بقا الحلم أكبر بكتير منى ، حلم لأهلى وناسى ، حلم ليكم انتم ، حلم يخليكم أد إمكانياتكم الحقيقية ، انتم كبار اوى ، أكبر من تصوراتكم ، كبار بتاريخكم ، كبار بنفوسكم الطيبة ، كبار بالهمة المزروعة جواكم ، مهما حاول أى حد يحبطكم ماتيأسوش ، في يوم من الأيام هاتوصلوا لكل اللى بتحلموا بيه ، النهارده هانحط رجلينا على أول الطريق ، من هنا هاننطلق باتجاه آفاق جديدة ، هانقدر نحقق لنفسنا مكان تانى ، وحياة تانية يملاها الأمل والبشرى بأجيال جديدة تفخر بينا لما تعرف يعنى إيه تعبنا وشقينا عشان هما يطلعوا مرتاحين ، ومن النهارده وبكره ولألف سنة جاية هايفضل اسم المشروع ده ” الرباعية ” مشروعنا اللى هانكمل بيه مشوارنا ناحية طابور الدول المتقدمة ، ولو كان فيه حد باهديله المشروع ده معاكم فهو مختار ، صديق طفولتى اللى رحل عن دنيانا وهو سايب لى هدية ، لكنها ماكانتش هدية ليا انا لوحدى ، كانت هدية لكل إنسان كان بيحلم وماقدرش يوصل لحلمه ، ولما وصل له أجل سعادته وفرحته بيه لما شاف ان السعادة ماتكملش إلا بنقاء الحلم ، ونقاء الحلم معناه إنك توزع فرحتك بيه على كل الناس عشان يفرحوا معاك ، عشان يفرحوا بيك ، فرحتكم اللى انا شايفها في عيونكم هاتخلينى دايما فرحان إنى قدرت أكون شريك ليكم في صناعة المجد ، لسه فيه حاجات تانية كتير واحلام أكبر مش هاتنتهى طول ما احنا جنب بعض ، ولا يمكن هايكون فيه يأس طول ما قلوبنا قوية وقادر تحلم .
بعد عشرة أعوام دخل بشير لقصره الكائن بمدينة الرباعية المستصلحة ذات ليلة بعد ان استقر هناك وتزوج وصار لديه ولدان ” مختار وإياد ” استدعى مور وحات فحضرا إليه ، كان يسألهما كيف يمكن أن ينقل العهد لأحد وهو على قيد الحياة فأجابه السيد حات !
حات : لو كنت قاتلا كمن سبقوك لقلت لك بقتل عشيقين وشرب الأثر لدمائهما ، لكنك لم تقتل يا سيد بيش – را ، ولهذا فلك ان تنقله في حياتك بتلاوة بعض الترانيم التى سأعلمها لك ، ولكن هل تود فراقنا !
بشير : لا ، فقط أريد ان اورث العهد لأحد أبنائى
مور : تريد أن تمنحه لمختار ! أليس كذلك ؟
بشير : نعم ، ليس فقط بسبب إسمه ولكنى أراه سيكون محل ثقة وإخلاص
حات : لا يمكن التكهن بهذا سيد بيش – را ، لكن رغباتك أوامر ، عندما يبلغ العشرين بالتقويم الشمسى يمكنك منحه العهد
………..في استوديو قناة الزهرة بعد عشرين عاما !
المذيعة الحسناء جيهان العايش : أهلا بكم أصدقاءنا المشاهدين ، مش هاتتصوروا بقالنا كام شهر بنطلب هذا اللقاء لأن ضيفنا في الحقيقة ماعندهوش وقت إطلاقا لكن تقديرا منه لبرنامجنا قرر إنه يكون معانا ومعاكم ، ضيفنا الليلة دى هو ضيف حير كل العالم بثباته وصموده في سوق السيارات العالمية حتى اليوم ، معانا ضيفنا العزيز: المهندس مختار بشير عز العرب
المهندس مختار : أهلا بيكى يا افندم سعيد جدا بلقائى بيكم النهارده
المذيعة : إحنا الأسعد طبعا يا افندم حضرتك نورتنا ! أول سؤال أحب أوجهه لحضرتك هو برغم توقف كل الشركات المنتجة للسيارات عن العمل وإعلان إفلاسها تباعا تبقى سيارتكم KNB هى التى لا تزال صامدة فى السوق والطلب عليها بيزداد يوم بعد يوم ، ومطالب يومية من دول كتير جدا ببناء مصانعكم على أراضيها ، يا ترى ده راجع لإيه !
المهندس مختار : الحقيقة هو راجع للسمعة الطيبة والجودة والكفاءة العالية جدا اللى خلتنا ننافس ، والدى ** يرحمه بنى أول مصنع سيارات في المنطقة ومن خلاله كملت انا مشواره ، واتوقع في المستقبل هاتشوفوا إمكانيات أعلى بكتير لشركاتنا
المذيعة : أكيد يا افندم محتاجة افهم من حضرتك بتخطط ازاى للمستقبل !
المهندس مختار : الحقيقة أنا بافكر أنا والباشمهندس إياد اخويه إننا نتجه لتصنيع الطيارات وننافس من جديد الشركات العالمية في المجال ده
المذيعة : الطيارات ! إزاى ده يا افندم !
المهندس مختار : طالما الإمكانيات موجودة والإرادة موجودة يبقا كل شئ ممكن ، من غير لا ليه ولا إزاى
المذيعة : في نهاية حلقتنا بنشكر حضرتك باشمهندس مختار ونتمنى لقاءات تانية كتيرة باشكركم وتصبحوا على خير
المخرج : شكرا يا باشمهندس ، شكرا يا أستاذة جيهان ، تقدروا تتفضلوا
مختار : تحبى أوصلك في طريقى !
جيهان : خايفة أعطلك يا افندم ميرسى ليك
مختار : لا تعطلينى إيه ، نخليها عشا بقا مع بعض !
جيهان : ده كرم كبير من حضرتك ، متشكرة جدا جدا
وبعد تناول العشاء ركبت سيارة مختار إلى جواره فهمس لها يقول !
مختار : عندك مانع نكمل السهرة عندى في الفيلا ؟!
جيهان : كلام إيه اللى بتقوله ده يا افندم ! نزلنى هنا بعد إذنك ، نزلنى قبل ما افتح الباب وارمى نفسى
مختار : حاضر حاضر بس استنى لحظة واحدة ألبس الخاتم وانزلك ، أصلى كنت ناسيه في جيبى ! أهه ،، اصلى وارثه عن المرحوم والدى ، ها ! نكمل السهرة عندى في الفيلا
جيهان مبتسمة فى دلال : بس مش عاوزة اتأخر ، لازم الصبح الساعة 9 أبقا في الاستديو
مختار : من عينى ! هاصحيكى بنفسى يا قمر انتى
…………..النهـــــــــاية