أخفض بشير الكشاف ليرى ما علق ببنطال مختار ، بينما أزال مختار حفنة من التراب حول قدمه ، ثم أخرى حتى رأى صخرة مدببة تخترق رجل بنطاله ، حاول أن يزيلها لكنها كانت صلبة متماسكة ، كشف المزيد من التراب حتى يسهل نزعها من الأرض وبشير يساعده ، الهبوط يقع خلفهما مباشرة ليبتلع كل التراب الذى يزيحونه ، بدأت معالم قبو من الطوب الصخرى تظهر ، نظر مختار لبشير وهو يبحث في عينيه عن تفسير ، أزال بشير حفنة أخرى ثم اخرى ، نظر كلاهما في عين الآخر ثم انطلقا دون كلام يمسكان بالحبل ليخرجا من الحفرة ذاهبين لأدوات الحفر التى تركها العمال ، ألقى كل منهما بفأس ثم نزلا تباعا ، ضربة ثم أخرى حتى انفتحت طاقة في القبو ، ضربات متتابعة حتى صارت الطاقة أكثر اتساعا ، نظر كلاهما في وجه الآخر وهو مبتشر يضحك ، لم يتحدث احدهما للآخر حتى صارت الطاقة باتساع متر مربع ، نظر بشير لوجه مختار ثم قال !
بشير : أما لو كان اللى في بالى !
مختار : نبقا عدينا يا بوتشى ، بص انا هانزل الاول من الفتحة دى وانت نورلى بالكشاف
بشير : استنا الاول نشوف الأرض فين لا يكون بير ده ! شكلها قريبة ، بس ما تديش أمان ، اربط الحبل على وسطك ، وخد بالك من نفسك
مختار : ياض متخافش جمد قلبك
ثم نزل مختار ببطء شديد وهو يمسك بأركان الفتحة العلوية ، وصلت قدماه إلى الأرض ويداه تخرجان من الفتحة ، بشير يمسك بكف يده اليمنى ، بعد قليل طلب منه الكشاف ، لكنه أصر على النزول معه ، أعطاه الكشاف أولا ثم نزل ، نظر خلفه ليجد الممر مسدودا بالتراب الذى هبط منذ قليل للأسفل ، ثم شهق بشير شهقة عميقة حينما وجه مختار الكشاف للأمام ليجد بقايا هيكل عظمى ، أمسك بكتفه وهو يناشده الخروج !
بشير : ده قبر يا عم ، قبر ده يا سيدى اهه تعالى نخرج
مختار : ششش اسكت يا اخى فيه صندوق اهه تعالى
بشير : مممم ماتفتحهوش ابوس ايدك ، ياللا نخرج
مختار : طيب نطلعه من هنا بس ونفتحه فوق ، شيل معايه عضم الراجل الطيب ده من حواليه ، شكله مات وهو حاضنه
بشير : قصدك اتقتل ، ده قتيل يا اخويه واتدفن تحت بيتكم ، يا ترى مين من عيلتكم كان قتال قتلا ؟
مختار : يا ابنى اتقتل ايه ؟ واللى قتله ساب له الصندوق ده للذكرى يعنى
بشير : وهو انت فاكر ان الصندوق فيه إيه ! ماتلاقى فيه ادوات الجريمة ، يلا نطلع ابوس إيدك
مختار : ياض سيب كتفى بقا خلينى اشوف
بشير : انت لو ناوى تقعد هنا انا طالع ، انا جتتى مش ناقصة وحاسس ان الدنيا هاتتهد فوق دماغنا ابوس رجلك بقا نطلع
مختار : طب بص اطلع وانا هاربطلك الصندوق ده ، إيه ده ! تقيل اوى ، بص شيل قصادى نخليه تحت الفتحة وأنا هاربطه كويس واطلع ونشده احنا الاتنين ، استنا هاركن اللى فاضل من الراجل الطيب ده ، ارفع الصندوق حبة من ناحيتك كده ، ايوه اسحبه كمان مرة ! بس كده هات الحبل ، لفة بالطول ، كمان لفة بالعرض ، ده لو صح الكلام يبقا فتحت يا معلم
بشير : فتحت إيه ! يا ابنى انت فاهم غلط ، اقطع دراعى لو ما كان الصندوق ده فيه جثة تانية ، اللى انت تقصدها مابتبقاش بالشكل الهفأ ده ، بتبقا اوضة كبيرة وجدرانها ملونة عليها رسومات وفيها توابيت ومليانة خيرات بقا ، مش تقول لى دى ! واحد مقتول وجثته مدفونة في قبر ، تلاقيه جدك سالم اللى قتله انا كنت اعرف انه غشيم وعقله على اده وبيتكلم بالخرطوش
مختار : وانت بقا جدودك كانوا مين ! ملوك النرويج ! اطلع خلينا نشوف بنعمل إيه بطل هرى
بشير : طب خد الكشاف على ما اطلع ، إششششش استنا استنا إيه ده ؟ تمثال ده !
مختار : هوب بوب بوب ، مش قلتلك يا حمار ! ابقا اسمع الكلام ، اهه فرعونى ده ولا مش فرعونى يا جاهل ، ده كان بين رجليه ، شايف الخاتم ده اللى في دراع التمثال !
بشير : ده خاتم فضة مايجيش بتلاتة جنيه ، تلاقيه كل اللى حيلته والصندوق ده تلاقيه حاطط فيه جلابيتين وطاقية
مختار : يا ابنى انت حد مأجرك علينا ! ماتنقطنا بسكاتك واطلع بقا …. ها ، طلعت خلاص ! مد ايدك امسك خلى التمثال ده معاك وامسك الخاتم كويس ، البسه في إيدك على ما اطلع لك
بدأ مختار يضبط وضع الصندوق ليسهل خروجه من الفتحة ثم صعد حتى صار مستقرا فوق القبو ، أمسك بالحبل مع بشير يسحبان الصندوق ، ها قد استخرجاه تماما من القبو ، صعد مختار خارج الحفرة اولا وتسلق بشير بعده ثم رفعا الصندوق تماما من الحفرة وذهبا به تحت الشجرة ، كان غطاء الصندوق عليه شكل مجسم لثعبان ، محكم الغلق لكن بقليل من الجهد تم فتحه ليخرج مختار ما فيه قطعة بقطعة حتى صار كل شئ أمامه ، كان أول ما توقف أمامه مختار هو خمس قطع من الحجر على شكل قضيب مع الخصيتين ، لم يكن يعرف سر وجودها ، إلى جانب مائة واثنين وستين قطعة تبدو فرعونية على شكل كرات من البازلت ، مائة وثمان وستين قطعة تبدو فرعونية كذلك مختلفة الحجم لكنها جميعا على شكل قرون الفلفل ، وخمس قطع على شكل كف اليد المفرود ، وإحدى عشرة قطعة على شكل ثعبان ملفوف ، وست قطع على شكل ورق الشجر، وتمثالين فرعونيين على شكل انسان، وتمثالين على شكل ثعبان متأهب للإنقضاض ، وقطع فرعونية مستديرة ، وبعض قطع مجسمة من الزجاج ، وفى قاع الصندوق عباءة مهلهلة وبعض البرديات المتآكلة !
بشير : اشرب يا عم مختار ! ازبار وتعابين وقرون فلفل ، اللى ما فيه حتة دهب واحدة في قلب ده كله
مختار : يا ابنى مش كل الآثار دهب ، لم معايه بالراحة وتعالى نعبى الحاجات دى في شوال ونوديها عندك بالراحة كده قبل النهار ما يطلع ، اللى انا مش فاهمه راجل محترم زى اللى شوفناه تحت ده يبقا عنده ازبار حجر ليه !! وبعدين انا اول مرة اعرف ان الفراعنة كانوا بيستخدموا الزبر الصناعى !
بشير : لا ده بيتاجروا فيه كمان اهه ، تلاقى كان عندهم شركة انزبار وتزبير جنب الهرم
مختار : ورينى كده التمثال اللى كان بره الصندوق ، شايف ده اتنين لازقين في بعض من ضهرهم
بشير : بص دول راجل وست ، ههههههههه الراجل تقريبا ماسك زبره شوف ، والست اللى في ضهره حاطة إيدها على كسها ، عليا الطلاق ده ماهو شغل فراعنة أبدا ، ده تلاقيه جدك برعى ، انا كنت اعرف انه فلاتى وبتاع نسوان
مختار: ماتلم لسانك يا ابن الجزمة عن جدودى بقا
بشير : ههههههههههه معلهش اصلى باشوف حاجات الليلة دى عجب في بيتكم ، ناوى على إيه يا نجم !
مختار : نوديها عندك بس وبعدين لما يطلع النهار هاكلم حد ، انا معارفى كتير في السكة دى
وفى الليلة التالية أثناء مبيت مختار مع بشير في غرفته ، نهض مختار من فراشه ليجد بشير واقفا خلف النافذة كعادته يراقب جارته الفاتنة ، لم تكن الساعة قد تجاوزت الواحدة صباحا ، تسلل من ورائه ثم نظر في مرمى نظره ليجد سامح يعانق فاتن امام الفراش ، كانت لا ترتدى إلا قميصا أبيض اللون على اللحم ، كانت القبلات ممة ، حاول سامح أن يرفعها عن الأرض في حضنه لها فلم يفلح ، كانت ملفوفة القوام ممتلئة الجسد منحوتة ، لم يتمالك مختار نفسه من الضحك وهو يرى سامح يختل توازنه ويسقط بفاتن على الأرض ، ضحك مختار فشقت ضحكاته سكون الليل ، فوجئ بشير بمختار خلفه ، نظر سامح ليجد نافذة غرفة بشير مفتوحة بينما هو يقف خلفها ، تملكه الغضب وتطاير الشر من عينيه ، أغلق أبواب شرفته وهو يتوعده !
بشير : عاجبك كده ! دلوقتى يقول إن أنا اللى ضحكت ويعرف انى كنت بابص عليهم ، وقعتنى في مشكلة معرفش هتروح على فين !
مختار : تروح فين يا ابنى ؟ هو مين اللى قال كنا بنبص عليه ، وبعدين واحد بيضحك في أوضته ، إيه هايحكم ع الناس في بيوتها ؟ اسمع لو اتكلم نص كلمة حط الجزمة في بقه ، بطل تطاطى بقا
بشير : جزمة في بقه ! انت مش شايفه عامل ازاى !
مختار : على نفسه ! ماهو قدامك ماعرفش يرفع المرة ، بس حتة فخدة ياض يا بشير ، ليك حق تبص عليها ، دى لو جارتى كان زمانى مخلف منها توأم
قبل العصر بقليل عاد بشير إلى البيت ، أوقف سيارة النقل في مدخل الحارة ثم نزل مترجلا، وقبل أن يدخل بيته وجد سامح يخرج له مسرعا من بيته ويتوقف أمامه والشر يملأ عينيه !
سامح : انت ما اتعلمتش انك تلم نفسك وتعمى عينك عن جيرانك !
بشير : أنا مش فاهم هو فيه إيه ؟ فيه واحدة قالت إنى عاكستها ؟
سامح : انت فاهمنى كويس وعارف أقصد إيه
بشير : لا مش فاهم ، وسع حبة كده من طريقى
لم يمهل سامح بشير أن يمر فجعل قدمه تعترض سيره فسقط على الأرض ، قام بشير وهو ينظر لسامح نظرة الغضب العاجز ، أمسك سامح بمجامع ثيابه من الأمام ثم دفع به من جديد نحو الجدار ، وهو يحذره لو كررها فلن يبقى عليه في الحارة ولا في القرية ، في تلك اللحظة كان مدحت الأخ الوحيد لبشير يتقدم نحو بيته عائدا من عمله فشاهد المنظر ، انطلق يندفع نحو سامح ليخلص بشير من يده ، أمسك سامح برأس مدحت ثم منحه ” روسية ” ولكمة في أنفه ، سقط طريحا على الأرض ينزف منه الدم حتى صار يغرق وجهه ، نظر بشير لأخيه فثارت ثائرته ، وجه لكمة لوجه سامح لكن قبل أن تصل وجد نفسه منطرحا على الأرض إثر ركلة من قدم سامح ، وضع سامح قدمه فوق عنق بشير وهو لا يزال يحذره من تكرار النظر لزوجته ولو على سبيل الصدفة ، ثم توجه ناحية مدحت وهمس في أذنه أن يتحرى ويستعلم عن خطأ أخيه أولا قبل أن يثور ، هم مدحت ان يمسك به لولا تدخل الناس التى دائما ما تأتى في وقت متأخر ، استند كل منهما على كتف الآخر وصعدا بينما مدحت لا زال يقسم أن يردها لسامح صاعا بصاع ، دخل بشير غرفته وهو يستشعر الذل والمهانة والهوان ، سقط في الأرض يبكى حسرته على نفسه ، في الليل أقبل مختار للمبيت ، لم يخبره بشير بما حدث لكنه تظاهر بالنوم حتى الصباح بينما لا زال المشهد يتأرجح في عينيه ، حتى أخوه الذى جاءه ليشد عضده أهين بسببه ، لا بل بسبب مختار ، لا بل بسبب هوانه على سامح ، أراد أن يمحو هذا المشهد من ذاكرته لكنه أبى إلا التكرار في عقله ، يوم واثنان وثلاثة حتى بدأ بشير يصرف تفكيره عن ذاك الموقف ، بعد أسبوعين تقريبا كان بشير قد نسى ما كان ، اكتمل بناء الدور الأول في منزل مختار ، ولملم مختار بعض حاجياته من بيت بشير تاركا الباقى حتى اكتمال الطابق الثانى ، وفى ليلة حضر المعلم ” نصير ” إلى البدرشين ، وبعدما جلس وجاء إليه مختار وفرد امامه القطع كان رد فعل المعلم نصير عجيبا !
المعلم نصير : أووووف لم لم عبيهم تانى ، بلا نجاسة !
مختار : ايه خير يا معلم مالك ؟
المعلم نصير : أنا لو أعرف انك جايبنى عشان دى لا كنت جيت ولا سألت
مختار : ليه يا معلم ؟ ماهى آثار اهه
المعلم نصير : لا يا ابن عمى دى ” عدة كاهن “
بشير : عدة كاهن ! يعنى إيه ؟
المعلم نصير : لا ده موال كده ، انا جاى من سفر ودماغى مش رايقة ، المهم مين اللى شال باقى المقبرة منك !
مختار : مقبرة إيه ؟ ده هو ده اللى لقيناه بس
المعلم نصير : اسمع ! انا كريه على قلبى اللف والدوران ، انا لولا خاطر خليل بيه الحلوانى ماكنتش جيت عميانى كده من غير ما اعرف انا جاى ليه ! خلص قول مين اللى شال الباقى
بشير : وغلاوتك يا معلم ما لقينا إلا ده
مختار : هى بيبقا معاها إيه يا معلم ؟!
المعلم نصير : يا ابنى مقبرة الكاهن بعد مقبرة الملوك على طول يعنى الخير كله ، طب اوصفلى المكان اللى جبتوها منه
مختار : حاجة كده زى نفق صغير من الصخر آخره خلعة تيجى مترين في متر وهيكل عظمى وصندوق فيه الحاجات دى
المعلم نصير : آه فهمت ، ده بقا تلاقيه زمان كان شريك مع اللى لقيوا المقبرة اللى كان فيها العدة دى واختلفوا مع بعض فقتلوه ودفنوه معاها عشان يخلصوا منها ومنه ، انما في الأصل عمرها ما بتبقا لوحدها أبدا ولا مكانها بيبقا بالوصف ده
مختار : طب قول كلمة يا معلم ؟ هاتاخدها على كام ؟
المعلم نصير : آخد إيه ! انا ما باخدش الحاجات دى
بشير : ليه يا معلم مالها ؟
المعلم نصير : ما باشتغلش فيها ! انت بتكلم نصير اللى طول عمره إيده نضيفة
مختار : نضيفة يعنى ايه ! مش مهرب آثار انت ولا انا غلطان !
بشير : خلاص يا مختار ، طيب يا معلم نعمل فيها إيه ؟
المعلم نصير : بالليل هابقا اكلملكم حد يشيلها
بشير : هى تساوى كام يا معلم ؟
المعلم نصير : كبيرها مليون دولار
مختار وهو منشرح الصدر: طب ما تاخدها يا معلم وهاكرمك في السعر!
المعلم نصير : ولا بدولار واحد ، يا ابنى النجاسة دى خراب على اى حد ، لو لقيناها في مقبرة بنرميها على احد ما بيفهمش
مختار : ليه هى خطر على حياتنا ولا إيه يا معلم !
المعلم نصير : لا مش خطر على حياتكم بس هى شؤم على صاحبها
بشير : طيب يا معلم احنا لقينا الخاتم ده والتمثال ده جنب الصندوق ، تبعها دول !
المعلم نصير : ورينى كده ! لا دول ماشوفتهومش في عدة قبل كده ، حتى خامة التمثال مش باينة ان كانت حجارة ولا معدن ، ده إيه ده !
بشير: شوفت يا معلم ماسك لامؤاخذه زبره أهه
المعلم نصير : لا لا ، ده مغطيه زى ما يكون بيستر نفسه ، حتى الست اللى وراه دى مغطية صدرها ومغطية لامؤاخذه كسها ، ده اكيد وراهم حكاية
مختار: والخاتم يا معلم !
المعلم نصير : لا الخاتم ده كمان شكله كده مش !! بس طالما كانوا معاها يبقوا نجاسة برضه ، ما اشتريهاش
بشير : طب يا معلم لا مؤاخذة يعنى الازبار اللى في العدة دى لزمتها إيه ؟
المعلم نصير : دى الكاهن كان بيحطها في اكساس النسوان ويعمل عليها سحر سفلى عشان تبــ…. بقولك إيه انا عاوز اشرب حجر مع الشاى ده وبعدين نبقا نرغى
مختار : عنينا يا معلم ، ده انت نورتنا ، هات احلى شيشة يا بشير لاحلى معلم نصير ، كمل يا معلم!
وانتهى اللقاء وبعد ساعات وجد مختار اتصالا من هاتف المعلم نصير يخبره ان عليه التوجه في الفجر لنزلة السمان لملاقاة احد التجار هناك على مقهى بشارع الأميرة فادية للاتفاق ، لكنه شدد على الحذر ألف مرة من أى تلاعب مع التاجر ، طلب منه ان يحمل البضاعة ثم يتوجه بها لهناك ، وينتظر دقائق خارج المقهى حتى يهاتفه التاجر، وبعد الاتفاق يتم التسليم ، نبهه بشدة أن يتسلم الثمن كاملا قبل ان يسلم بضاعته ، دب الخوف فى نفس مختار الذى ظل ساعتين يلقن بشير !
مختار : اسمع انا مش مطمن ، احنا هانعمل حسابنا من الاول ، انت هاتركب العربية الزرقة وانا هاخد الحمرا ، هاركنها على اول النزلة ، البضاعة فى عربيتك انت ، هانحط الشوال فى الدواسة وهاتقف على بعد تلاتين متر من القهوة وعينك علينا وموتورك داير ، وانا هاقعد مع الناس بره القهوة نخلص واشاورلك تيجى نسلمهم ، لو انا حسيت بأى لبش هاحدف علبة السجاير على آخر دراعى ، تطلع انت بالعربية وتعدى من قدامنا هانط فى الصندوق ونخلع ، نروح عند عربيتى واركبها ونرجع سوا
بشير : يا عينى على دماغك يا معلم ، ده انت مهرب جامد بقا ، طالع لجدك حسين انا كنت اسمع انه كان مهرب حشيش كبير اوى
مختار : هو انت بتسمع عن جدودى من مين انا مش فاهم ! انت ابوك كان مؤرخ ياض !
بشير : انتو فضايح عيلتكم ماليه الدنيا يا ابنى ، حتى التمثال ابو زب اللى فى الشوال ده يشهد
مختار : اه كنت هانسى ، نصير كان قال ان التمثال والخاتم مش تبع العدة خليهم بره ، نبقا نحط التمثال ده بره الشوال فى الدواسة ، خلى الخاتم فى إيدك ، لو لقينا البيعة تمت نبيع لهم الاتنين بسعر لوحدهم
بشير : مش بقولك دماغك حلوة ، هاتحط الشوال فين للصبح !
مختار : هاحط الشوال جنب الفرشة اللى بانام عليها دى هنا ،
بشير : طب واخينا ابو زب هو والمدام بتاعته !
مختار : جنب الشوال ، هاتهم كلهم جنب الفرشة ونغطيهم بشوية قش رز من اللى فى العربية ، كلها ساعتين ونخلع ع النزلة ، حافظ ع الخاتم لا يتخلع من إيدك وانت بتضرب عشرة
بشير : ليه شايفنى شرقان !
مختار : طب اخلع بقا ساعة وابقا ارجع عشان البت سمارة جاية دلوقتى
بشير : سمارة مين ! مرات جلال الاستورجى !
مختار : شاطر ! هى دى قوم بقا
بشير : آه يا نمس ! اللى ما فيه مرة عزمتنى معاك على حتة من النسوان دى
مختار : أعزمك !! ليه ، شايفنى قرنى ، انت لازم توصل للنسوان بمجهودك ما تطلعش على زبر غيرك ، مش كفاية عليك انى باحكى لك ، كمان عاوز تشاركنى فيهم !
بشير : أصل انت بجح وفلاتى وانا غلبان !
مختار : انجز بقا في ليلتك دى مش عاوزها تشوفك ، دى أول نيكة بيننا وانا ما صدقت وافقت تيجى
بشير : طب ما تستنا لحد ما تركب شبابيك وابواب حتى !
مختار : يا ابنى ده الأرضى هاسيبه على حالته دى أصلا ، نوفر الفلوس للدور الفوقانى اللى عليه العين ، قوم بقا يا اخويه انجز
بشير : ادينى قايم اهه ، مستعجل اوى !على فكرة دى ندالة ، أكيد انت وارثها من جدك صابر كان طول عمره راجل ……….
مختار : غور يا اخى ينعل أبو جدودك
خرج بشير ليستلقى تحت شجرة في الأرض المنزرعة بجوار بيت مختار على مسافة مائة متر تقريبا منه ، كانت الليلة قمرية مضيئة ، نظر في السماء يتأمل وجه القمر ، يراجع الفوارق بينه وبين مختار في كل شئ ، الجرأة والقوة والقبول لدى النساء ، والمال كذلك ، كان يحدث نفسه : لولا مختار لما وجدت قوت يومى ، ربما كانت هذه الصفقة هى انطلاقة جديدة له ، وقد يطمع في ثمنها كله أو يلقى لى ببعض الفتات ، على كل حال هو الصديق والأخ ، مدينٌ له بالفضل ، حقا أتمنى مثل ما لديه لكننى لا أتمنى زواله من عنده ، ثم أغمض عينيه وراح في النوم ، عاقدا كفيه على بطنه ، أقبلت سمارة تتسلل في حذر ، لم تلحظ ان هناك من يتعقبها على بعد ، وصلت للبيت فدخلت مباشرة ليستقبلها مختار بالأحضان والقبلات المسعورة ، سحبها ودخل إلى حيث ينام !
سمارة : إيه ده ! أنا خايفة حد يشوفنا ، ده احنا كأننا في الشارع
مختار : يا بت متخافيش محدش لا بيروح ولا بييجى النواحى دى بعد العشا ، وبعدين اللى يبصلك بعينه اقلعهاله ، طمنينى انتى الأول خرجتى ازاى ؟
سمارة : جلال نام هو والعيال بعد ما اتعشوا ، لما المعاد قرب بصيت عليهم اطمن ولبست واتسحبت وجيت لك ، بس اوعدنى محدش يعرف احسن جلال كان يموتنى
مختار : هو حد يقدر يقربلك وانا موجود يا قمر ، تعالى فرجينى ع الحلويات
سمارة : طب اطفى النور أصلى مكسوفة أوى
مختار : اموت في حياء الأنثى ! عيونى ، هاطفيه المرة دى ، نور القمر عامل شغل برضه من الشباك ، بس المرة الجاية لازم نسيب النور
راح مختار يخلع عنها ثيابها بهدوء وهو متشوق للحظة دخول قضيبه بين فخذيها ، تجرد كلاهما من ثيابه وأراحها مختار على فراشه الذى كان عبارة عن غطاء سيارة ووسادة فوق الأرض مباشرة ، فتحت ساقيها فنزل يقبل مشافرها فسحبته حتى يبدأ مضاجعتها خشية التأخير ، خارج البيت كان هناك من يقف تحت النافذة يسترق السمع وفى يده شئ ما ، إنه جلال جاء يحمل ” سنجة ” مسنونة ، شعر بها تتسلل في الثانية صباحا فتبعها وعندما رآها تدخل بيت مختار ذهب لبيته ليتسلح بالسنجة ثم عاد ، كان يشعر بعدم إخلاصها لكنه الآن تيقن من هذا ، دار ليدخل من حيث دخلت زوجته ، وصل إلى داخل الغرفة ، تقدم خطوات بهدوء حتى اقترب من الفراش بينما كان الاثنان منهمكين في إطفاء نيران أجسادهما ، كانت تأوهات سمارة تحرق سمعه ، وصوتها يستفز نخوته وهمته ، قبض على يد السنجة بكفيه ثم رفعها وهوى بالسنجة على أجسادهما العارية وهو يردد : يا فاجرة ، يا فاجرة ، يا خاينة !
ضربات متتابعة قوية فوق رأس مختار وعنقه كانت تكفى لقتله ليسقط عنها بينما كان لها النصيب الأكبر من الضربات حتى مر حد السنجة مرتين ما بين عنقها ومنكبها ، لم يكن لهما أى نطق مع الضربات المركزة ، فارقا الحياة في صمت مطبق ، سالت دماؤه ممتزجة بدمائها حتى بلغت التمثال ، كان جلال لا يتابع ضرباته في الجسدين وكانه قد ذهب عقله ، أبرقت الغرفة عدة مرات متتالية وسمع جلال بوضوح جدا هذه المرة صوتاً يقول ” أوبا واح مور- حات ” ارتعد جسده وهرب تاركا إياهما غارقين في الدماء وبجوارهما السنجة أداة القتل ، بجوار رأس مختار كان هنالك التمثال يضئ ويطفئ كلمبة الإنذار ، انتصب التمثال واقفا ثم انطلق شعاع من يد رجل التمثال يعانقه شعاع آخر من عينى المرأة ليتحدا معا فيصبحا شعاعا واحد بألوان الطيف ويخرج من النافذة ثم يتجه مباشرة نحو الخاتم الذى يلبسه بشير ، ما إن وصل الشعاع لفص الخاتم حتى أضاء تماما وتحول لونه للأبيض الساطع ، في تلك اللحظة رأى بشير نفسه ينهض من نومه وأمامه مجسم كبير الحجم للتمثال ، وجه الرجل ناحيته ، ثم يدور جسد المرأة من الخلف إلى جوار جسد الرجل ، تنطلق الطبول والمزامير ويتغنى الكورال بالنشيد الذى لم يتبينه بشير ، يتقدم الرجل ليضع يده فوق رأس بشير الذى ينزل على ركبتيه بينما يقرأ عليه الرجل طلاسم غير مفهومة ، ثم يأمره بالنهوض ويعود ليجلس ، تتقدم المرأة نحوه في صمت لتقبل رأسه ثم تضع عليها يديها قائلة :
سيد ” بيش – را ” منذ الليلة أنت صاحب العهد المقدس ، انطلق في هذه الأرض كما تشاء ، ستفعل ما تريد بلا قيد ، ستطّلع على كل ما كان يخفى عليك وما تريد معرفته ، بإشارةٍ منك تنصاع لأمنياتك الرجال وتنحنى هاماتهم أمام سطوتك ، تركع أمامك النساء طالبةً رضاك ، كل ما تتمناه مجاب ، حتى الوحوش الضارية بأمرك تحنو على من أردت ، فقط اجعل الخاتم في يدك واقصد في قلبك ما تتمناه قصد الموقن تجده أمام عينيك ، انظر لوجه سيدك ” حات ” واقبل العهد ، وامسح بكفك جسد مولاتك ” مور ” ، قد لا تكون أفضل من في العالم قبل اليوم ، لكنك اليوم سيدهم ! ثم قبلت رأسه مرة أخرى وعادت لتجلس في مكانها كما كانت .
تقدم الرجل نحوه من جديد ثم نظر إليه وقال :
سيد ” بيش – را ” ملك ملوك الأرض ! كل التعازى في وفاة صديقك ، نعلم كيف سيكون حزنك عليه لولا مواساتنا وحفلنا هذا لبقيت العمر في أحزانك ، لكنك ستتخلص منها ومن كل الأحزان حالا ، تقبل هدية صديقك لك قبل رحيله ، دماؤه هى الهدية ، أنت أشرف من توليت حراسة أمنياتهم حتى اليوم ، لم تقتل كما فعل من سبقوك لينالوا العهد ، لكن لحسن طالعك تولى القتل أحدٌ غيرك حينما كان الخاتم في يدك فكنت أنت صاحب العهد ، فليبق الخاتم في يدك ولتحفظ أثر ” مور- حات ” بين جلدك ولحمك ، اذهب الآن فاحمله ثم اذهب لبيتك ، في غرفتك ستجد خزانة في الجدار المواجه للباب ، افتحها وضع فيها الأثر واغلق بابها ، لن يراها أحدٌ غيرك ، ولن يفتحها أحدٌ غيرك ، اتركه هناك ثم نم قرير العين ، ففى الصباح لنا شأن آخر سأخبرك به فور أن تستيقظ ، هنيئا لك ما بلغته ، اشرب هذا الكأس وانعم بحراسة مور- حات ، إن فيه خلاصة القوة والحكمة والنضج والهيبة والشجاعة وبهاء الطلعة ، لن يسيطر عليك بشر ، لن تحكمك عاطفة أيا كانت ، بإمكانك أنت قيادة العواطف ، الشهوات فقط هى ما قد تجعلك تلبى نوازعها لنهل المتع ، لكنك ستجيد ترويضها متى شئت وكيف تشاء ، سيكون عقلك هذا خير من يقودك مع حراسة مور- حات ، تعرّف على نفسك الجديدة واترك الماضى تطويه صفحات النسيان ، أنت منذ اليوم ملك بكل ما تعنيه الكلمة !
شرب بشير الكأس حتى آخر قطرة ، شعر برعشة تجتاح جسده كمس الكهرباء ، كان مسار الشراب يتبدى كالنور في عروقه ، استوى جسده واستقام وانبسطت عضلاته وارتسمت ملامح جسده كجسد المصارعين ، شعر بشير كأنما قد صار شخصاً آخر بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، تم إعلان انتهاء مراسم التتويج ، تمطأ بشير ، وقف لينظر لوجه القمر من جديد ، العافية تدب في أوصاله ، نظر لذراعيه ثم لصدره ، نزع ملابسه حتى يرى باقى جسده فتهلل وجهه ، تذكر ما قاله التمثال عن صديقه فانتبه ثم تقدم بخطى ثابتة نحو بيت مختار ، دخل فوجده مدرجا في دمائه وإلى جواره سمارة على نفس حاله ، لم يدم حزنه إلا لدقائق المفاجأة ، حبس أنفاسه ثم نظر إلى الدماء ليرى التمثال وقد أضاء ، نظر إليه فتحول وجه الرجل لوجه حقيقى كان يراه منذ قليل ، كان يبتسم له ، حمله ثم أداره ليجد وجه المرأة كذلك وجها حقيقيا يومئ له برأسه ، ضم التمثال لصدره فأبرق البرق في الغرفة من جديد ، وجد بقلبه شيئا من الغلظة والثبات الانفعالى ، ترك صديقه المدرج بدمائه وانطلق في هدوء يحمل التمثال ، ثم حمل جوال العدة ووضعه في الصندوق ثم توجه نحو بيته ، كان الصندوق في يده كصندوق التبغ من خفته ، رفعه وأخفضه عدة مرات وهو يبتسم ، دخل غرفته فوجد الخزانة بالفعل ، فتحها ثم وضع فيها التمثال وأغلقها ثم وضع الصندوق تحت سريره وذهب لقسم الشرطة ليبلغ عن الجريمة ، وفى لحظات كانت الشرطة تحاصر بيت مختار ، وبتفتيش البيت وجدوا الجثامين وأداة القتل وتم القبض على جلال الذى اعترف بمنتهى السلاسة بجريمته وهو يفتخر بما فعله ، تم التحفظ على ممتلكات مختار لحين إبلاغ ورثته بما ترك ، في الصباح عاد بشير لبيته وأخبر أمه التى لم تستوعب الصدمة فبكت بكاءً مريرا على مختار ، دخل غرفته فوجد ” حات ” يستأذنه في رحلة لن تزيد على خمسة أيام في قصر الدر المنحوت ، لم يكن بشير يعلم أين القصر ولا كيف سيذهب لكنه استأذنه ليطمئن على أمه ويعد إفطارها ثم يعود ، خرج ليجدها منخرطة في بكائها على مختار وإلى جوارها مى زوجة أخيه !
أم بشير : صحيح اللى حصل ده يا بشير ؟ مختار كان مع مرات جلال !
بشير بثبات : ** يرحمه يا امه خلاص بقا
مى : انا ما صدقتش لما عرفت ، مش عشان سمارة بس مختار كانت العيبة ما بتطلعش منه
بشير : خلاص يا ام يونس بقا انتهينا
مى : خلاص على رأيك ، ماتجوزش عليه إلا الرحمة ، المهم ما تخليش الحزن ياخدك و**** يخلى لك أخوك تقف جنبه كده ويقف جنبك
بشير : اللى يزعلنى بجد هو الراجل اللى هايخش السجن أو يتعدم عشان واحدة خاينه وواحد مابيفكرش ولا بيعمل حساب الخطوة قبل ما يخطيها
نظرت أم بشير في عينى مى والدهشة تعلو ملامحهما ، لم يعد بشير اليوم على ما كان عليه بالأمس ، تراه أقوى من ذى قبل في كل شئ ، حتى جسده ومشيته وخطواته صارت مختلفة ، تحدث بشير مع مى بشأن مدحت وأبنائهما ثم انصرف تاركا دهشتها كذلك على وجهها ، تغير كثيرا في طريقة تحدثه ، بعد قليل استأذن أمه في الخروج للعمل في الصعيد بضعة أيام وطلب من مى أن تبقى دائما إلى جوار امه ، وما إن وصل إلى الزراعات حتى رأى نفسه داخل قصر منيف ، وفى ساحته صفوف المستقبلين والمستقبلات ، العجيب أن ملامح الرجال جميعا هى نفس ملامح الرجل ” حات ” ، وملامح النساء هى ملامح “مور” ، دخل من باب القصر ليجد السيد “حات ” جالسا على العرش وإلى جواره السيدة ” مور “
حات : أهلا بك يا سيد ” بيش – را “
بشير : انا فين !
مور : انت في قصر الدر المنحوت ، مركز إعداد فرسان مور- حات
حات : هنا ستتعلم كل شئ ينفعك في زمنك ويرفع قدرك بين الناس
بشير : اتعلم ! انا فشلت في التعليم قبل كده
مور : قلنا من قبل أننا سنطوى صفحات الماضى ، هل تشعر أنك اليوم بشير أم “بيش – را ” ؟
بشير : انا فعلا مش حاسس إنى بشير ، لكنى مش عارف مين بيش – را
حات : بيش – را هو أنت ، الفارس الحادى عشر من فرسان مور- حات ، ستتعلم كل شئ في خمسة أيام ، اترك نفسك لهؤلاء المعلمين وهو سيتولون كل شئ ، أما الآن فإلى مدرسة فرسان مور- حات !
كانت كتائب المعلمين تضم علماء في كل شئ ، اللغات والرياضيات والهندسة والفلك والآثار والمنطق والجغرافيا والتاريخ والاجتماعيات ، وفنون الحرب والقتال ، لم يعهد بشير في حياته هذه السلاسة واليسر في التعلم ، الدقيقة الواحدة كان يتعلم فيها ما يعادل التعلم فى عام ، ساعة بعد ساعة وهو يستشعر الفخر والفرحة تتفرع في قلبه لما هو فيه ، وفى نهاية المدة كان الحفل الصاخب ! تقدم الفارس بيش – را وهو يرتدى زى الفارس الهمام ، أشار له السيد حات ليعتلى المنصة كما لو كان يناقش رسالة العالِمية ، توجه له الحضور بالأسئلة واحدا بعد واحد ، باللغة الهيروغليفية تارة وبالانجليزية تارة وحتى باللغة الصينية ، وهو يجيب ، سألوه في كل ما تعلم فكان يجيب كالحواسب الآلية دونما توقف ولا تلعثم ، صفق له الحضور تصفيقا حادا ثم قام السيد حات وقال !
حات : أحسنت يا سيد بيش – را ملك ملوك الأرض
بشير وقد تغيرت لهجته وصارت عينه تفيض بالعلم والحكمة : مولاى حات ، إن بيش – را لا يملك من الكلمات ما يعبر عن امتنانه لعظمتكم
حات : هذا أول المشوار يا بيش – را لا ترهق نفسك بالبحث عن كلمات الشكر ، ليس هذا في عرف جمعنا
مور : أنت جاهز الآن لاقتحام عالمكم كالإعصار ، تعرف الآن كل شئ عنه ، وترى بعينيك كل ما خفى متى أردت ، ونحن حراس أمنياتك أيا ما كانت ، لا سلطة لنا على ما تريد ، أنت وحدك من يقرر ماذا يفعل طالما بقى الخاتم في يدك والأثر في حوزتك
حات : فقط احذر أن يعرف أحدٌ سرك وإلا كنت في خطر محدق ، فالكل يتمنى ما أنت فيه ، ونحن على العهد لمن يفى به ، وإياك وتولى المناصب ، ففيها المكائد وعليها التآمر ، كن دائما سيد نفسك حتى تنال النجاة ، والآن فلتبدأ مراسم الحفل ابتهاجا بفارسنا الممجد ” بيش – را ” الفارس الحادى عشر
وانتهى الحفل وعاد بشير أو ” بيش – را “في الخامسة مساء لبيته فوجد أمه تجلس في الصالة ومى إلى جوارها!
مى : بشير جه اهه يا خالتى حمدلله على سلامتك يا بشير!
أم بشير : قومى هاتى له الغدا يا مى
بشير : لا شكرا انا عاوز انام بس شوية ولما اصحا ابقا اتغدى
مى : طب انا طالعة بقا مدحت زمانه هايرجع هو كمان
بشير : إيه هو هايرجع بدرى النهارده ليه ؟!
مى : أصله !!! ساب الشغل وكان بيصفى النهارده حسابه ، هو يبقا يحكى لك بقا ، ابقا تعالى اقعد معانا شوية لما تصحا ونتغدى سوا ، هانستناك
تمدد بشير في سريره وهو آمل مستبشر بغده ، بعد قليل سمع صوت مدحت في الشارع ، صوته يعلو ، لحظات قبل أن يتبين فوجد مى تطرق باب غرفته بقلق وسرعة ، لم ينتظر حتى يكمل ارتداء ملابسه لشعوره بخطورة الأمر ، فتح لها الباب فطلبت منه نجدة اخيه الذى يتشاجر مع سامح ، خرج وهو يرتدى ” بوكسر ” فقط ، نظر لأمه في الصالة فوجدها تجثو على ركبتيها كأنما حاولت الخروج ، نظر لمى طالبا منها البقاء إلى جوارها وعدم النزول حتى يعود مع مدحت ، قفز بشير من نافذة الصالة ونزل للأرض كالعاصفة يزأر ويكشر عن انيابه ، نظر ليجد سامح ممسكا بمدحت يكيل له اللكمات ، كانت مى تصرخ من النافذة ، ذهب بخطى الواثق ليمسك بقبضة سامح التى كانت في طريقها لوجه اخيه ، ضغط عليها بقبضة يده ، ترك مدحت من يده ليسقط أرضا ، زاد بشير في ضغطه وعينه في عينى سامح بثبات وتحدٍ ، نظر سامح في وجه بشير ثم نظر ليده وهو يسمع صوت كسر أصابعه ، لوى بشير ذراعه فنزل بجسده ثم خرجت منه آهة عنيفة ، نهض ورفع ركبته حتى يضرب بشير في بطنه ، ضربه بالفعل لكن ضربته لم تترك أى أثر ، أمسك بشير بمجامع ثوب سامح وطرحه على الأرض كما تطرح الذبيحة ، جعل قدمه فوق عنقه للحظات وهو ينظر له بكل احتقار بينما سامح يحاول احتضان ساقه بذراعيه حتى يسقطه لكن محاولاته لم تفلح ، ركله بقدمه في وجهه ثم تركه واتجه نحو مدحت ، أنهض اخاه من الأرض وهو ينفض الغبار عن ثيابه ، توقف أهل الحارة مشدوهين مما يرونه بينما حضر أبناء عم سامح وأقربائه المجاورين له واحد بعد واحد وهم يحاصرون بشير ويهجمون عليه فكانت حركاته أسرع وأخف من أمهر لاعبى الرياضات القتالية ، كان يقاتلهم دونما ان تتغير ملامح وجهه ، لم ينطق بكلمة طوال المعركة ، بعد لحظات كان يقف وحوله على الأرض ثمانية رجال ما بين جريح ومكسور ، بعضهم نام في مكانه وبعضهم ظل جالسا في الأرض وهم في خزى ، ربت بشير على كتف اخيه وقبل رأسه ثم عاد ليوقف سامح وهو يكيل له الصفعات على وجهه ، ختم صفعاته بلكمة خطافية في فكه أراقت الدماء على ذقنه حتى عنقه ، أمسكه من كتفه وهم ان يضربه الثانية لكن يدا تعلقت بمرفقه ، توقف ثم التفت ليجد تلك الفاتنة الرقيقة ” فاتن ” تنظر إليه بعين راجية تتوسل إليه أن يتركه ، تركه من يده ليسقط على الأرض وتحولت ملامح الشر في عينيه لنظرة رفق وحنان ، أشفق على تلك الأنثى من الروع ، كان اول ما نطق به هو اعتذاره لها على ما تسبب فيه من ألم لها لما تراه لكنه لم يكن المتسبب في كل ما جرى ، لم تجبه وحاولت مساعدة سامح وإيقافه فلم تستطع ، أمسك بيدها وهو ينظر في عينيها طالبا منها ان يتولى هو مهمة توصيله لشقته ، انفض الناس من حولهم وذهب الجميع لما كان منشغلا به قبل المعركة عدا ضحاياه من الجرحى ، عينا بشير لا زالت تنظر في عينى فاتن بكل رفق ، نظرت إليه مندهشة من تصرفه ، كانت يده لا تزال في يدها ، نظرت دون نطق ليده ، حمله بين ذراعيه كالعصفور ، نظرت فاتن للمشهد وهى غير مصدقة ، صعد به السلم ودخل به إلى فراشه ، تبعته فاتن وقد زال عنها بعض التوتر ، وقف امامها وهو يكرر اعتذاره ، نظرت له في صمت تام وارتباك يعلو ملامح وجهها ، فقط اومأت له برأسها ، سحب يدها اليمنى ليقبلها ثم عاد تاركا إياها تقف في صمت وحيرة تنظر ليدها موضع قبلته ، لم تنتبه إلا على صوت تأوهات سامح ، فذهبت لتجلب بعض المسعفات الأولية . دخل بشير شقته ليستقبله مدحت استقبال الأبطال ينظر له بفخر وعزة ، بينما راحت مى تجلب له بعض الماء ليغسل وجهه ويديه ، قبل يد امه التى ربتت على كتفه العارى ثم دخل ليأخذ حمامه وهو يفكر ويتصور ماذا سيكون له في الغد ، لقد تغيرت نظرته تماما لكل شئ ، ارتفعت هامته واشتد عوده ، لم يعد مرتعشا ذليلا ، لم يعد جاهلا بأى شئ يدور حوله كما كان من قبل ، كان يسترجع ما دار فى الأيام السابقة وهو يبتسم ويفكر :
النهارده بإمكانى أعمل أى شئ وأعرف أى شئ ، بقيت شخصية أسطورية بجد ، المكان ده مابقاش يليق بيا خلاص ، لازم ارسم لحياتى شكل تانى ، كل شئ لازم يتغير
عاد لغرفته ليرتدى ملابسه ، جعل الفوطة على ظهره ، وقف يرتدى الشورت فقط ، كان لا يزال يفكر في نقطة البداية ، في النقلة التى ستعبر به ، قاطع تفكيره جسد فاتن وهى منحنية إلى جوار زوجها في فراشه تضمد جروحه ، ناجاه جسده أن يلبى رغبته فيها ، فتح نافذته عن آخرها ووقف امامها في الشرفة بكل ثقة ، تامل فيها وجدها أشهى بكثير ، كانت فاتن ملفوفة القوام مكتنزة ، ممتلئة الأرداف والنهدين ، لها خصر يبرز بوضوح تضخم أردافها وبروزهما واستدارتهما ، نهضت لتعتدل بجواره فانكشف ساقها حتى ركبتها ، اشتعلت النيران في جسده ، قامت لتقف على السرير لتمد يدها تجلب شيئا من فوق الدولاب ، أكلتها عيناه ، الخصر النحيل المحاصر بين نهدين مكورين من الأعلى وردفين مصبوبين من الأسفل يجعل اشتهاءه لها أكثر من ذى قبل ، أنثى تجاوزت العشرين بقليل لكنها في نظره تجمع كل أنوثة النساء ، ، شعرها المصفر بعضه وسط خطوط سوداء مع بياض وجهها المشرق جعله يتمنى تقبيل كل ملمح في وجهها ، نام زوجها بفعل المسكنات فاستدارت لتجلس من جديد لتنزل من فوق السرير فنظرت له ، رأته عارى الصدر يداعب شعر صدره بيده فأشاحت بوجهها عنه ، عاودت النظر إليه كمن تراه لأول مرة ، ذهبت لتغلق باب الشرفة عليها ، نظر لخاتمه في يده وتمنى بعمق لو يطارحها الغرام الآن ، عادت لتفتح أبواب الشرفة تماما ، تركت كل ما في يدها ووقفت في الشرفة أمامه ، تأمل وجهها المستدير كالبدر ، أنفها الأقنى ، شفاهها الحمراء بلا تجميل وعينيها المتسعتين الكحيلتين ، تركت زوجها ليغط في نومه ثم اطالت الوقوف في الشرفة ، كرر اعتذاره لها همسا من نافذته فابتسمت له ، ابتسامتها الساحرة كانت تحمل الإذن له بالتقدم خطوات ، ألقى لها بقبلة طائرة في الهواء ، نظرت إلى الأرض خجلا ، عاودت النظر إليه وهو مستبشر يجتاحه السرور ، حرك شفتيه لها بكلمة الحب ، غابت عيناها ومالت رقبتها وهى تنتظر المزيد ، أشار إليها أن تأتى إليه ، فرفعت كتفيها ترفض بدلال ، فأشار إليها أن يذهب هو فأشارت لسامح ، أشاح لها بيده ألا تهتم ، ابتسمت وعيناها في الأرض ، ارتدى ملابسه في عجلة ثم خرج مسرعا .