أرض الخطيئة | الجزء الثّاني – الحلقة الأولى

الامنيات ..
انها عالم واسع من الخيال ..
نبحث فيه عن حاجاتنا التي نتمناها لكي تكون حياتنا افضل او لنحصل على المتعة والثروة والسعادة .
بعضها شرير وبعضها طيب وبعضها بين وبين ..

هي درجات في نوعها وكمها وطبيعتها ..

لا يوجد بشري ليست لديه امنيات ..

بعضها تحقق او تحقق جزء منه بدرجات متفاوتة او بقي مجرد امنيات حالمة ..

في مكان ما وزمن ما كان لدى (جون) امنيات كثيرة ربما كثر من رهط من الناس ..

هاجر والد (جون) من المناطق الاسكندنافية في بداية شبابه والتقى بفتاة أحلامه القادمة من بلاد البلطيق واتخذها عشيقة ثم زوجة في هذه البلاد وعمل في التجارة وكون ثروة متوسطة جعلته من الطبقة المتوسطة وبنى منزلا جميلا متوسط الحجم له مزرعة صغيرة تسد نواقص الاسرة الصغيرة من الطعام وبئرها يرويهم ويروي زرعهم على مدار السنة ..

انجب والد (جون) ابنه (جون) في اول سنة من زواجه وانجب بعدها بنتا في السنة التالية واكتفى الزوجان بهما وكلاهما يمتاز بالجمال بشعر اشقر وعيون عسلية وبشرة بيضاء فهما من زوجان من اعالي البحار حيث تسود هذه المواصفات اهالي تلك البلاد الاوروبية ..

(ليزا) شقيقة جون كانت مثل امها فتاة صبورة تعمل بجد واجتهاد في منزلها والمزرعة وتواظب على الدراسة والتعلم رغم قلته في تلك الفترة بسبب الحروب والكساد وكانت ترفض مغازلة السباب لها لانها تدرك للغاية ان هدفهم جسدها المغري الجميل لا قلبها الصافي وكذلك تدرك انهم طامعين في اموالها رغم انها ليست عظيمة المال ..

هذه البلدة الكبيرة التي هم بها وهي اشبه بالمدن الريفية ..
كان الشعر الاشقر قليلا جدا بها فبشرتهم حنطية وشعورهم بين البني والاسود واقرب لابناء حوض البحر المتوسط ..

(جون) ايضا لم يخل الامر من طرفه من محاولات لاغراءه بالجنس والحب سواء من الفتيات او الفتيان الذين يرون ان جمالا كهذا يجب ان لا ينحرم من المتعة والحب فاعلا او مفعولا به في حين كان جون مثل اخته حذرا لا يستجيب لتلك المحاولات الشهوانية ..

بنفس الوقت كانت لدى (جون) و(ليزا) رغبات داخلية حيث ان جون يبلغ من العمر سبعة عشر عاما واخته ستة عشر عاما ..

انهم بشر وهذا امر طبيعي لكن لم تظهر عليهم هذه الامور كونهم حذرون من المجتمع ويسمعون باستمرار الكثير من القصص عن فضائح جنسية لبنات وشبان .

لا يمنع هذا ان يكون لهما اصدقاء وصديقات شأن المجتمعات الغربية ..

كان (جون) طموحا للغاية بعكس اخته (ليزا) القنوعة بما لديها تقريبا والتي لا تحاول الخروج عن المألوف خوفا من الوقوع في دوامات لا قبل لها بها ..

لكن كلاهما كان يملك نفس الشهوات الجنسية تقريبا ..

(ليزا) كانت تحلم بفارسها الجميل الفحل الشهواني المخلص لها بالحب والمتميز بقوته والذي لبي لها كل امنياتها ويبذل كل شيء من اجلها وهي لم تجد هذه الصفات حتى الآن فيمن حولها فكلهم يشتركون في شهوتهم لها ويختلفون فيما عداه وهي تدرك ان عليها بيوم ما ان تقنع بشخص ما ، والى ذلك الحين او الى ان تجد ما تحب فهي حذرة جدا من المغازلين وحتى الشبان العاديين من الناحية الجنسية والعاطفية وفي نفس الوقت تعاملهم معاملة جيدة فيما عدا هذا ..

(جون) يختلف عن اخته كونه ذكر وبالتالي يعيش عيشة الشبان يمرح ويصادق ويسهر وهو يتمنى الجنس مع الفتيات وحتى الفتيان حيث يحلم بان يكون له عشيق يمارس معه الجنس ويناما باحضان بعضهما ويتمتعا بالجنس بالسر وان تكون له عشيقة اصغر منه ولو بسنة جميلة يتمتع بها دون علم احد ..

لكنه لم يحاول تطبيق هذا فهو كأخته لا يثق ابدا بمن يطلب جسده ..

لم تقتصر احلام (جون) على الجنس بل على الكثير والكثير من الامور منها الاقتصادية والاجتماعية والكثير من الامور ..

لكنه يدرك انه لا يمكنه تحقيق هذه الامور فيمن حوله ..

كان لـ (جون) صديق هو الاقرب بين اصدقاءه يشاركه احلامه عد الجنسية منها لكن بشكل نظري وكنقاش للتسلية لا اكثر ..

كان (جون) لديه اسرار لا يفشيها لأحد ..
منها انه يشتهي اخته (ليزا) ويحلم بالممارسة الخلفية معها فهو يشتهي مؤخرتها وجسدها ويشعر بالاثارة الشديدة عندما تكون شبه عارية داخل بيتها مع انه يدرك انها قوية الشخصية تقريبا وان حاول معها قد تنهار علاقته بها كأخ وستخبر والديها وسيتم طرده من المنزل ..

كذلك هو يشتهي ان تتم مضاجعته ومعاملته كفتاة شهية جميلة من قبل بعض الاصدقاء وكذلك يشتهي الممارسة مع بعض اولاد القرية الشهيو الاجساد وبعض الفتيات الصغيرات ويتمنى الكثير من الامور الجنسية وغير الجنسية ..

ما الذي يمكنه ان يحقق له كل هذا ؟..

كان في ذاك اليوم يجلس مع صديقه الاثير في مقهى يضم عادة الغرباء الوافدون الى المدينة للتجارة والسياحة وغيرها ..

كانا يتحدثان في شتى المواضيع ..

يدرك (جون) ان صديقه بشكل ما يحبه ويتمنى رضاه لكنه ليس متأكدا ان هذا يتضمن شهوة جنسية ام انه صداقة قوية فقط لذا لا يريد المجازفة ..

في غمرة الحديث قال (جون) مازحا : تخيل يا صديقي لو انني امتلك مصباح علاء الدين المذكور في الاساطير الشرقية .. يا للحظ وقتها .

قال له صديقه ضاحكا : انها امنية المليارات .

ثم ارتشف من كوب الشاي متابعا : لكنها مجرد اسطورة شعبية اظنها شرقية .

قال (جون) متنهدا : اجل اعرف هذا .. لكنه حلم يداعب الملايين عبر التاريخ .

و صمت قليلا ثم قال: هل تعتقد ان الاساطير تأتي من فراغ؟ اعني ان احدا ما استيقظ من نومه صباحا وقد استقرت هذه الاسطورة في ذهنه فحكاها للناس؟

قال صديقه بحيرة : ماذا تعني ؟

قال (جون) متنهدا : لا شيء محدد .. لكن اغلب الاساطير اعتقد ان لها جذرا ما ومع الزمن بنيت حوله التفاصيل والمبالغات حتى بات اسطورة تخالف المنطق والعقل .. او ربما تم مع الزمن تحريف الحقيقة الاصلية حتى اصبحت على صورتها الحالية .

قال صديقه بنصف سخرية : وهل تحلم مثلا ان تملك غرضا من هذه الاغراض الاسطورية ؟ ان حدث هذا فاتمنى ان تجعلني وزيرا في مملكتك القادمة .

ضحك كلاهما وقال (جون) : لا اقصد هذا .. لكن حقا اغلب الاساطير لها اصل واقعي .. انا لا اعتقد انني سأحوز مصباح علاء الدين او مزمار الساحر الذي خلص قرية ما من الجرذان ولا رمح بوسايدون مثلا .. لكني اجزم ان لكل اسطورة اصل ما .

قال صديقه : ولنفترض ان هذا صحيح .. فماذا سيفيدك هذا ؟ هل ستبحث عن تلك الاساطير مثلا ؟ دع عنك احلام اليقظة هذه كي لا تعش في وهم لآخر العمر .

قال (جون) بشرود قليل : اتدري ؟ .. انا مستعد لأن اجوب الارض وراء حلم كهذا لو عرفت انني في النهاية سأجده او كنت متأكدا انه حقا موجود في مكان ما .

قال صديقه باستخفاف : كل العالم مثلك وانا منهم لكن هذه مجرد احلام .

استمر الحديث بينهما طويلا على هذا المنوال دون ان ينتبها الى ان رجل في اواسط الخمسينات من العمر ذو هيئة رزينة يتابع حديثهما باهتمام مركزا انتباهه على كلام (جون) دون ان يحاول لفت انتباهه ..

حديث هذا الفتى الفاتن الشهي يذكره بشبابه ودراسات افنى عمره بها ولهجته تدل على انه يؤمن بما يقول وليس مجرد حديث عابر للتسلية وتمضية الوقت ..

يرى الحلم يتجسد في عيناه الرائعتين ..

هذا الفتى الاسكندنافي الملامح قد يكون مشروعا واعدا لحلم حياته ..

لكن كيف يمكن ان يفعل هذا ؟ ..

انه لا يعرفه ولا يعرف تفكيره وثقافته ولا شيء عنه ..

انها المرة الاولى التي يراه فيها اصلا وكل ما يعرفه هو اسمه من حديث صاحبه ..

لكن يبدو ان القدر كان يخطط لشيء آخر ..

ففيما هو يتابع حديث (جون) التفت اليه الاخير التفاتة سريعة وابتسم له ابتسامة خفيفة قبل ان يعود للنقاش مع صاحبه ..

امران هزا كيان الكهل ..

الاول ان قبله انتعش لابتسامة هذا الفتى الشديد الجمال له والثاني انه ادرك ان الفتى يعرف انه (الكهل) يتابع حديثه مع صديقه باهتمام وان هذا لا يضايقه ..

لا يدري كيف حدث هذا بعد ان سحره الموقف فمسح جزءا من ذاكرته ..

لكن الكهل بعد نصف ساعة وجد انه يجالس (جون) وصديقه (جاك) بدعوة من احدهما بعد ان احتدم النقاش بينهما وطلباه كمحكم بينهما ..

كان يقول بصوت شبه سارح : لكل اسطورة اصل .. بعضها اصول مفبركة وبعضها حقيقي.. خذوا مثلا اسطورة (اورفيوس) اليوناني صاحب القيثارة التي عزف عليها فاشجى قلوب الآلهة والمخلوقات .. حتى انه اقنع اله العالم السفلي (هيديس) باعادة زوجته (يوريديس) من عالم الموتى عندما عزف له على قيثارته الحانه الحزينة التي اخضعت من قبله الكلب المهول (سيربيروس) حارس بوابة الموتى الرهيب .. وهناك تلك القصة الشهيرة التي تقول القصة الشعبية الالمانية انها وقعت في قرية (هاملن) حيث كثرت الفئران لدرجة مزعجة وحيث وضع عمدة القرية مكافئة كبيرة لمن يخلصهم من الفئران وقد فشلت كل المحاولات في ذلك حتى جاء رجل غريب وخلصهم منها عبر عزفه على مزمار او ناي سحري فقاد الفئران لتغرق في النهر .. وعندما انكر عليه اهل القرية مكافئته خطف اولادهم بنفس الطريقة وهي نفس ما فعله للفئران عبر العزف على الناي او المزمار ثم اعادهم بعد ان اقر اهل القرية بحقه .

قال (جاك) : وما المقصود من هذا يا سيدي ؟

قال الكهل بحماسة : كما قلت لكل اسطورة اصل ما .

قال (جون) باهتمام : ما الرابط بين هذه الاساطير والواقع ؟

نظر اليه الكهل فرأى الاهتمام لا السخرية على ملامحه فقال : اجل .. هذا هو السؤال .. حسنا .. ماذا لو انه قد كان هناك وجود لشيء ما له مفعول قيثارة (اورفيوس) او ناي عازف المزمار ؟ لاحظوا ان الاسطورتان بينهما شبه كبير .

قال (جاك) باهتمام : لست افهم ما تقصده .

قال الكهل : ماذا لو ان احدا ما قد توصل لاختراع شيء ما يصدر ذبذبات صوتية قادرة على التأثير المباشر على تفكير الآخرين ؟ ماذا لو ان قيثارة (اورفيوس) او مزمار (هاملن) كانت مبتكرات عبقرية تسبق زمنها وتسبب موجاتها الصوتية نوعا من الغاء الارادة البشرية والاستسلام التام لمن يعزفها ؟ .

قال (جون) مبهورا : وهل هذا ممكن ؟ ..

تلفت الكهل حوله ثم قال هامسا كأنه يذيع سرا رهيبا : اجل ممكن .. لدي مخطوطات اثرية تتحدث عن اشياء شبيهة بهذا .. كنت اظنها سابقا بعض حماقات الاقدمين لكن بعد ان قمت ببعض التجارب الخاصة اكتشفت الكثير من الحقائق التي تؤيد ما ورد فيها .. بل ولقد كدت ان احدد اماكن تواجدها المفترضة لكن هذا يتطلب الكثير من البحوث والغوص في ميثولوجيا الشعوب والوصول الى مخطوطات نادرة للغاية منتشرة في المكتبات والمتاحف والاماكن السرية للدول وحتى الجماعات السرية وكلها تحتاج الى تحليل دقيق غير تقليدي للوصول الى معاني محتوياتها والافادة منها .. وحتى لو تمكنت من جمع تلك المخطوطات وهي عشرة حسب ما اعرف فان الافادة مما فيها يتطلب رحلة عجيبة لا يحتملها بدني المنهك بل تحتاج الى شاب قوي فتي يخوض مغامرات شتى حتى يصل للهدف ان اصابت دراساتي واظنها صائبة فمصادري لا يرقى اليها شك .

قال (جاك) ضاحكا : او امتلكت واحدة من هذه لامتلكت الدنيا .

قال(جون) بشرود نسبي : اجل .. لامتلكت الدنيا .

قال الكهل متمعنا بملامح (جون) بعمق : اجل .. وهل هناك اجمل من ان تملك الدنيا ؟ ان تسيطر على الجميع بنفخة مزمار او دقة وتر قيثارة ؟ ان تأمر فتطاع ولو كانت اوامرك ان يقتل المرء نفسه او ان يعطيك ماله او جسده حتى او ان يفعل من اجلك المستحيل ؟..

كانت كلماته تداعب احلام (جون) وتلامس امنياته الدفينة بالثراء والمتعة وتحقيق الامنيات بشأن مجتمعه وكل من حوله وبشأن نفسه كذلك ..

ما اجملها من حياة لو حدث هذا على ارض الواقع ..

ان يوما من حياة كهذه يعدل عيش سنوات من حياة عادية ..

ترى هل حقا يمكن لهذا العجوز ان يحقق له هذا الحلم المستحيل ؟..

لا زال هناك شك كبير في نفسه تجاه هذا الامر ..

لكن الحلم اجمل من ان يتجاهله كذلك فهذا الرجل الذي يبدو عالما – رغم نظراته الشهوانية لجسده والعاشقة لوجهه- ومسألة المخطوطات هذه تثير حماسته وخياله ورغبته الجامحة في الحصول على شيء كهذا رغم انه لا يزال يشك في وجوده اصلا فالامر عسير التصديق بحق ..

لكنه الامل والرغبة في تحقيق الاحلام الوردية والجامحة والعجيبة حتى ..

و من يدري ؟ ..

فقد يكون كلامه حقيقة وان لم يكن كذلك فلن يخسر (جون) الكثير ..

دارت هذه الافكار في ذهن (جون) بسرعة البرق وصديقه يقول : يا له من حلم جميل .. من يملك هذه القدرة سيكون قد ملك الدنيا دون مبالغة .

قال الرجل : اجل معك حق .. لكن الامر لن يكون سهلا وسيحتاج الى الكثير من البحث والجهد والوقت وربما المخاطرة .

قال (جون) دون وعي : لكن الامر يستحق واكثر .

و تنبه الى نفسه فتابع مبتسما : هذا ان لم يكن كل الامر مجرد احلام وتوقعات .

قال الرجل ببطء : ليس كذلك .. صدقاني انه ليس كذلك .

قال (جاك) : بفرض انه حقيقي فكيف يمكن الوصول الى هذه الاشياء ؟

نظر (جون) للعجوز منتظرا الجواب كأنه هو من سأله ..

و صمت الرجل فترة مفكرا قبل ان يقول بخفوت : لن يكون الامر سهلا ابدا .

ثم رفع نظره اليهما متابعا : يحتاج من سيغامر بالبحث عن هذه الادوات الى تدريب شاق طويل على قراءة المخطوطات وفهم اللغات القديمة وتحليل الرموز ومعرفة عميقة بتواريخ واساطير الشعوب ومعرفة بالأماكن الاثرية الغامضة وعشرات الامور المتعلقة بهذا حتى علم الصوتيات واتقان بعض الصناعات الحِرفية الدقيقة والكثير من المهارات المتنوعة .

قال (جون) : الامر يستحق .. ان كان حقيقة فهو يستحق .

نظر اليه (جاك) وقال : بالعكس .. ان ينفق المرء سنوات من عمره وجهده ليطارد حلما اقرب للخيال منه للواقع فهذه حماقة كبيرة .. لست شخصيا مستعدا لان اخوض هذه الحماقات ولو كانت مقابل تاج ملوك الجان او صولجان الحكمة ما دامت حياتي الحالية مريحة .

بقي العجوز صامتا في حين قال (جون) : بعكسك انا مستعد لكل شيء واعني ما اقول .. كل شيء واي شيء مقابل الوصول الى احد تلك الاشياء حتى لو كان الامر مجرد اسطورة .. يبقى هناك امل ولو كان قليلا ان هناك حقيقة ما بنيت عليها الاسطورة وانا اريد الوصول الى تلك الحقيقة باي ثمن .. اجل باي ثمن واقسم انني اعني ما اقول وانا مستعد لهذا .

بقي الكهل صامتا وان علت شفتاه ابتسامة خفيفة ..

هو قاب قوسين او ادنى من تحقيق هدفه ..

– يتبع -​

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: ممنوع النسخ