بذعر صرخت
انا: أمك .. يا بهاااااء ..
التفت بهاء وراءه اصلا من قبل تحذيري لسماعه صوت ارتطام بالأرض.. وبعد ان رأى امه.. ذعر هو الآخر.. وجفل وصرخ ..
نهض بهاء عني .. بدون وعي منه .. وركض باتجاه امه مع أنه لازال عاريا!! وهو مصاب بصدمة وذعر وخوف منها وعليها بنفس الوقت..
اما انا .. فتلقفت ما تيسر لي من ثياب لاستر نفسي بها واهرول بسرعة نحو السيدة حنان ..
لقد كان بهاء فاقدا لتركيزه وقد بدأ بالبكاء بسبب خوفه الشديد على أمه ..
امسكت يد امه .. وتحسست النبض فعرفت انها لا تزال حية .. هي فقط غائبة عن الوعي بسبب الصدمة ..
انا: . روح يا بهاء .. حط على نفسك حاجة بسرعة
بهاء بذعر وبكاء: .. أنا في أيه ولا ايه يا احمد .. دي امي .. امي يا احمد .. أمي هتروح مني!
انا بحزم: واحنا مش عايزينها تصحى وتشوفك كده ! اهدى شوي بس .. هي ما فيهاش حاجة صدقني.. وهتبقى كويسه ..
التزم بهاء بطلبي .. فهرول للدولاب ووضع على نفسه ثيابا بسرعة .. وعاد الي وهو مازال شاحبا وخائفا ..
شعوره كان خليط مابين الخوف من امه والخوف عليها بنفس الوقت .. لكن في اللحظة الآنية ليس مهما الا سلامتها ..
بصعوبة بالغة تعاونا على رفعها من مكانها واخذناها لأقرب كرسي في الغرفة .. ثم طلبت من بهاء ان يجلب قنينة ماء بسرعة ..
فتحتها ونثرت الماء على وجهها احاول ان اعيدها لوعيها .. خصوصا بعد ان رأيناها تتنفس بعمق ووضوح .. لم تكن سوى عيناها مغلقتين ..
جلس بهاء على الارض وقرب قدميها ممسكا يديها يقبلهما ويبكي بحرارة معتذرا .. لعلها تسمعه وتستيقظ ويطمأن عليها
بهاء: سامحيني يا ماما .. سامحيني .. انشالله اموت ولا يحصلك حاجة وحشة .. كله مني انا السبب .. سامحيني يا امي ارجوكي
انا: جمد قلبك شوي يا بهاء .. امك هتبقى كويسه صدقني
بنفس الوقت كنت اجهل المستقبل الآتي لو استيقظت امه .. وماذا سنقول لها ؟؟؟ بعد ان شاهدتنا في وضع مخل!
لم انوي ان اكذب ابدا .. قررت ان اواجه ..لن اهرب بعد اليوم .. ولن اسمح لبهاء بالهروب من المواجهة كذلك ..
هناك مواقف لا يمكن الهروب منها .. ستظل تلاحقك طوال حياتك حتى تواجهها وتتخذ قرارا بشأنها .. لكي ترتاح نفسيا وتستقر..
نظرت له وهو غارق في دموعه ..
انا: بصلي كويس يا بهاء .. احنا لازم نواجه امك بالحقيقة .. بعد الي شافته بعنيها !!
بهاء بذعر: ايه ؟؟. انت بتقول ايه ؟ نواجها نقولها ايه ؟؟
انا: ما فيش قدامنا حل تاني .. لأننا لو طلبنا منها السماح .. فده معناه اننا لازم نفترق غصبن عننا .. ومحدش هايقدر يشوف الثاني بعد كده ابدا !
بهاء بصدمة: معقول الكلام ده؟؟ طب ليه؟
انا: هو ده الي هيحصل اكيد .. صدقني . ولو كنت عاوزنا نفضل مع بعض وما نسيبش بعض .. يبقى لازم نواجها .. خصوصا انت يا بهاء ..
بهاء: انا؟
انا: اه .. انت ٫ لازم تخلي حد ونهاية للمعاناة الي انت عايشها .. لو كنت فعلا عاوز تعيش حياتك الجاية بوش واحد بس ..
صمت بهاء .. خائفا .. وهو ينظر مرة باتجاه امه التي بدأت تستعيد وعيها بالتدريج .. ومرة باتجاهي .. كأنه يريد ان يأخذ القوة والشجاعة مني ..
بعد دقائق .. من محاولاتنا المستمرة لإعادة ام بهاء لوعيها .. فتحت السيدة حنان اخيرا عينيها .. ثم نظرت لنا كلينا بنظرة غريبة .. وبعد ذلك اجهشت بالبكاء ..
كان بهاء يقبل يديها لكني حذرته من أن يكرر عبارات طلبه للسماح حين تستعيد وعيها .. لان ذلك سيضعف موقفنا ويعني الفراق الحتمي بيننا ..
فمنطقيا .. مع ان ام بهاء سيدة مثقفة ومتسامحة وتخاف جدا على ابنها وتفكر في مصلحته ومستقبلته ..فأن طلب السماح منها .. سيجعل منها تطلب منا بالتالي التوقف طبعا عما كنا نفعله والا نكرره ابدا ..
لكي ترضى عنا وتسامحنا وتعتبر ان الأمر كان غلطة او نزوة شباب صغار ليس لديهم خبرة كافية في الحياة ..
او ربما يعانون من كبت وفشل في علاقاتهم مع الجنس اللطيف واطرو لفعل الفاحشة مع بعضهم .. اي عذر مقنع ستجده السيدة حنان لنفسها لكي تسامح ابنها الوحيد وتحافظ على حياته ..
لكنها قطعا لن تتسامح معي وستطلب مني ان افارقه .. بعد ان خنت الامانة في نظرها ..
بصعوبة بالغة ونظرات متعبة نظرت ام بهاء لابنها ..وثم نظرت لي وقالت بصوت متعب وخافت: عملتوا كده ليه ؟ ليه؟
فقد بهاء السيطرة على نفسه ولم يعد ينفع تحذيري له .. وانفجر باكيا
بهاء: يا ماما .. غصبن عني .. غصبن عني .. سامحيني ارجوكي .. سامحيني
اما انا حاولت ان ابدو قويا لكني في الواقع عكس ذلك تماما .. لم افكر ابعد من تجاوز هذا الموقف الآن ..
لم افكر في التبعات التي ستحصل لو فضحتنا ام بهاء امام اهلنا .. ولا بخطورة الموقف ..
اعادت ام بهاء سؤالها لي من مكانها وبهاء منكب على يديها يقبلها ويبكي وخاطبتني : طب ليه؟ هي دي الامانة يا احمد ؟.. بتخون الامانة ؟ وانا الي كنت فاكراك بتخاف على ابني وبتحميه .. طلعت انتـ…
قاطعتها : . لا .. يا ست حنان .. عمري ما خنت ابنك ولا استغليته .. صدقيني .. دا انا بخاف عليه اكثر من روحي ..
ام بهاء بعصبية: هه .. امال بتسمي الي انا شفته ده ايه ؟؟؟ بتسميه ايه ..ها؟ فهمني
كنت واثقا من نبرتها تلك انها لن تفكر في فضح العلاقة وعرضها على اهلي ..لأنها تعرف جيدا ان معنى ذلك هو فضيحة ابنها امام كل الخلق وبالتالي سيكون هناك تبعات لا تحمد عقباها قد تطال ابنها وتدمر مستقبله ..
لذلك شعرتُ انا من نبرة صوتها انها ركنت الى منطق العقل والحكمة في التعامل مع هذا الموقف..
انا بقليل من التأثر: مش عارف لو كنت هتفهمي الي هقوله .. او تقدريه تستوعبيه ..
بس انا عمري مافكرت اذي بهاء .. لأني حبيته ..!!! ايوا حبيته .. ما تستغربيش الي قلته..
لان بهاء طول عمره كان تحت حمايتي وعطفي وتحت جناحي وحنيتي .. ومعتمد علي في كل حاجة .. بالضبط
.. بالضبط زي اي بنت ما تعمل مع حبيبها الجدع الي بيحبها بجد وبيخاف عليها ومستعد يضحي بحياته عشانها وعشان يصونها ..
حتى بهاء توقف عن البكاء وهو ينظر لي متأثرا بكلامي ومستغربا هذا الكلام الجديد الذي يطرق مسامعه للمرة الاولى .. بينما السيدة حنان .. نفسها لم تتوقع ان تسمع مني هذا الرد؟؟؟
ربما كانت تظن اني سأتملص من الموضوع وابحث عن اسباب اعلقها على كاهل بهاء لأحمله مسؤولية الخطاء لوحده .. لكي انقذ نفسي من الفضيحة واخرج منها بسلام ..
خصوصا ..اني كنت الطرف الواهب او الايجابي في العلاقة .. وهذا الشيء مهم جدا أمام المجتمع ونظرة الناس الذين غالبا ما سيلومون الطرف المتلقي او السالب ويحملونه كامل المسؤولية !!!
اكملت كلامي مستغلا هدوء ام بهاء : ما تستغربيش يا ست حنان .. هو ده بالضبط الي انا وابنك بنعيشه ..
حب جميل ونظيف .. ايوا نظيف !! لأننا كنا بنحب بعضنا من واحنا صغيرين .. والحب ده كبر معانا من غير ما يحصل اي حاجة مابينا ..
ولما حصلت حاجة مابينا .. فده لأننا خلاص .. شفنا اننا اولى ببعضنا واننا نكفي بعضنا ببعض .. ومش هنحتاج لحد ثاني ولا هنبص لحد ثاني ..
وبقينا نخاف على بعضنا اكثر ما تتصوري .. ويهمنا مستقبلنا واننا نكمله مع بعضنا لقدام ..
ايوا يا ست حنان ..
انا بحب ابنك ..
وابنك كمان بيحبني ..
وعمري ماخنته ولا خنتك ولا خنت ثقتك فيا ..لأني مستعد اضحي بحياتي عشانه ..
.. وبالنسبالي ..انا بطلت افكر في اي بنت ..ولا عادش ده يهمني .. لاني اكتفيت ببهاء .. ومش هاممني هيتقال عليه ايه ! لان لا انا ولا ابنك يا ست حنان شاذين ..
احنا مجرد اثنين بيحبوا بعض ..
ام بهاء صمتت مستغربة لما تسمع ونظراتها صارت غريبة لكلينا ..
بينما بهاء ظل ينظر لي بعيونه الساحرة الجميلة ويبتسم ابتسامة مختلطة ببكاءه ..لتأثره بكلامي .. وهو يكتشف انني ابادله نفس الشعور الجميل الصادق ..
لولا الموقف الذي نحن فيه ..انا واثق كان بهاء لينهض ويقفز علي يحصنني ويقبلني لكلامي الجميل الذي سمعه مني
لحظات صامته .. بعد ذلك كسرتها ام بهاء وقالت: . انا .. انا مش مصدقة الي بسمعه .. انا كنت متوقعه اني اسمع منك انت بالذات حاجة تانية .. بس ..
قاطعتها: عمرك فكرت يا ست حنان .. ايه السبب الي يخلي ابنك بالشكل ده؟ .. مع اني مش شايف عيب في شكله العام ..بس اقصد .. ليه ابنك دايما بيحس بسعادة وهو بيعيش في دور البنت؟ .. خصوصا بعد ما بقينا مع بعض هنا في الجامعة .. وعلاقتنا بتقوى كل يوم اكثر من الي قبله ..
عمرك ما فكرت حتى لو انه ممكن يكون فيه مشكلة صحية حقيقية عند بهاء.. هي الي بتخليه يكون كده؟
دا انت ست مثقفة جدا يا ست حنان .. واكيد عارفة ان لكل حاجة سبب
ام بهاء: .. انت بتلومني انا ؟؟ عايز تحملني انا المسؤولية .. ؟
انا باعتذار: العفو .. ماقصدش كده .. بس قصدي .. ممكن فعلا يكون عند بهاء سبب عضوي يخليه دايما يحس انه بنت..
احنا ياما سمعنا عن حالات تأخرت كثير لحتى بعد الجواز .. وهم يكتشفوا انهم مولودين بأخطاء جينية .. شكلهم غير جنسهم الحقيقي. عامة دول الي محصلش عندهم خلفة او ماقدروش يقوموا بواجباتهم الزوجية سواء ذكور او اناث؟؟
ام بهاء: انت عايز توصل لفين يا احمد .. ؟؟؟ بدل ما تعتذر عن الي حصل وتطلب السماح .. يمكن اقدر اسامحك على الي عملته في ابني ..!
انا: يا ست حنان .. انا مش شايف اننا عملنا حاجة غلط ..صدقيني مش قصدي اني اكون بجح .. بس هي دي الحقيقة …
انا بس عاوزك تفكري في كلامي كويس .. يمكن فيه سبب حقيقي بس انت مش عاوزة تكشفي على ابنك عند الدكاترة ..! خايفة لا فعلا الحقيقة تصدمك !!!
ام بهاء بغضب: انت بتقول ايه؟؟؟؟
انا: العفو يا ست حنان .. بس انا .. انا لاحظت ان بهاء.. ماعندوش خصيتين اصلا!!! اسف على جرأتي .. بس هو ده الي اكتشفته ..
ولازم بهاء يتكشف عليه .. ممكن نكون كلنا بنضغط عليه ونعذبه والحاجة ديه مش في أيده ولا ذنبه ..
ممكن يكون عنده فعلا سبب عضوي لحالته ديه
ام بهاء تفتح عيونها منذهلة ومستغربة بنفس الوقت لكلام تسمعه لأول مرة ..
ربما كانت قد لاحظت ذلك ايضا على بهاء فهو ابنها وهي اعلم الناس بجسمه منذ ولادته ..لكنها كانت تأبى النظر للحقيقة ..او تخاف من ابعاد ذلك الموضوع الحساس عليها وعلى ابنها امام الناس
حتى بهاء .. ظل ينظر لها بنظرات رجاء .. كأنه هو الآخر يريد ان يتحرر من السجن الذي قضى كل عمره فيه محبوسا خلف جسد ليس جسده
تأملت ام بهاء قليلا في كلامي .. وهي تفكر مطولا في كل ماقلناه ..
قاطعت تفكيرها: مش هانخسر حاجة .. لو كشفنا عند دكتور متخصص ..
ام بهاء : ولو طلعت انت غلطان؟؟
انا: يبقى انا اتحمل المسؤولية كلها .. واعملي الي انت شايفاه صح في وفي ابنك ..!!!
ام بهاء تعود لحالة قلقها وخوفها: يا احمد .. انت فاهم المجتمع كويس والناس الي عايشين حواليك؟؟ هيكون رد فعل الناس ايه بعد كل ده؟ يا احمد الي بتقوله ده صعب ومحتاج نواجه مجتمع بخاله ..
لا .. لا .. دي فكره مش كويسه
انا: مين الأهم عندك ؟ ابنك ولا كلام الناس والمجتمع؟ انا بالنسبالي خلاص انا خذت قراري . ومش هاممني لا ناس ولا مجتمع !
ام بهاء : واهلك مافكرتش فيهم؟؟
انا: فكرت كويس.. ولو اضطريت اني اسيبهم عشان اكمل مع بهاء.. هسيبهم !!
تعجبت ام بهاء من جرأتي وموقفي الذي اعلنته لها ورأت حقا اهتمامي وحبي لابنها .. فصارت تفكر مع نفسها مطولا .. وتقتنع تدريجيا بكلامي.
نظرت الى بهاء وخاطبته بلغة العيون .. بأن عليه ان يتكلم .. يتحرك .. ان يتخذ موقفا .. لا ان يظل ساكتا ..
تشجع بهاء وتدخل في الحوار مستغلا سكوتنا نحن الأثنين ..
بهاء: . ايوا يا ماما .. انا من زمان كنت بحس اني مش طبيعي .. ماعرفش ليه ؟ ماعرفش ليه عمري ما حسيت بالأمان ولا الاستقرار ..لا انا اقدر اعيش زي الاولاد وابفي زيهم ..ولا اقدر اطلع البنت الي محبوسة جوايا .. لأني زهقت قوي من الوضع ده .. زهقت يا امي
دا انا ياما فكرت اني انتحر واخلص من الوضع الي انا فيه ..
دا الموت عندي ارحم من اني اعيش بين نارين .. نص ونص ..
انتبهت ام بهاء لكلمة ( انتحر) بقليل من الخوف .. لأنها شعرت بصدق بهاء فيما قاله ..
لكن بهاء اكمل حديثه: ايوا يا ماما .. ما تبصليش كده .. !! انا بجد ياما فكرت بكده لولا احمد .. ووقوفه معايا وجمبي .. وهو بياخذ بأيدي لبر الامان ويحسسني اني بحمايته وانه هو البطل الي يقدر يعدي بيا للجنة ..بدل ما افضل محبوس في الجحيم الي انا عايش فيه..
لولا احمد .. كنت انتحرت من زمان .. كان زماني تحت التراب
كل منا انا والسيدة حنان نظرنا بخوف لبهاء وسبقتني امه لتقول : لا يابني .. ماتقولش كده ارجوك .. انت مهما عملت او حتى غلطت بردو هتفضل ابني .. ابن بطني من دمي ولحمي .. وانا لا يمكن اتحمل اعيش لحظة وحدة لو جرالك حاجة ..
اوعى تفكر في كده تاني يا بهاء ياحبيبي..
ارجوك .. اوعدني انك مش هتعمل كده .. وانا معاك يابني .. معاك في كل حاجة انت عاوز تعملها .. المهم عندي انت .. سلامتك وراحتك وسعادتك هم اهم حاجات عندي في الدنيا
واهم من كل الناس الي عايشين حوالينا ..
كأن كلام بهاء الاخير هو الذي حرك السيدة حنان لتتخذ موقفا ايجابيا مع ابنها .. وصارت تشعر بقلق بالغ على مصير ابنها اكثر مما شعرت به قبل قليل من صدمة لما اقترفه من فعل خادش بالحياء..
هناك اباء وامهااات متفهمون جدا .. ومصلحة ابناءهم فوق كل اعتبار .. ولا يريدون ان يروهم يتعذبون فيخسروهم ..
ام بهاء: يابني .. صحيح انا كنت اتمنى تجيلي بنت .. وكنت بتمناك بنت .. بس انا احبك في كل الاحوال لأنك ابني. .. ومش مهم لو كنت ولد او بنت .. ولا مهم انك عايز تتحول لبنت .. المهم عندي اني اشوفك مبسوط ومرتاح .. صدقني .. هي دي اهم حاجة عندي..
بهاء يقفز على امه يحضنها وهو يتلي عليها شتى عبارات الحب والثناء ويبدي سعادته الغامرة لتفهم امه موقفه ووقوفه معه ..
لقد تحول الذعر والخوف قبل ساعة ..الى شعور بالسعادة والراحة ..حتى بالنسبة لي
شعرت اخيرا بالاطمئنان ووالراحة والسلام النفسي وانا ارى التحول في موقف ام بهاء .. التي نظرت لي بنظرة جادة جدا وهي تقول
ام بهاء: بص يا احمد .. انا.. انا لسه واثقة فيك .. ولسه بقولك ان بهاء امانه عندك .. عايزاك تبقى راجل وقد كلمتك وماتتخلاش عن ابني اللي خلى كل حياته رهن اديك ..
انت بقيت الامل ليه وليا .. ارجوك .. ارجوك ما تخيبش ظننا فيك ..
انا بحماس: انت مش محتاجة توصيني على اهم واغلى انسان عندي في الوجود .. ده روحي وحبيبي وعنيا .. ومش اقدر اعيش بعيد عنه .. مهما خصل .. وعمري ما هتخلا عنه ..
دا انا مستعد اضحي بروحي عشانه .. المهم هو يكون بأمان ويعيش بسعادة معايا
ام بهاء بقلق: بس .. بس انا خايفة من المستقبل .. ومش عارفة هيكون رد فعل اهلك ايه
انا: يا ست حنان .. سيبي كل حاجة لوقتها .. وسيبي الموضوع ده عليا انا بالذات .. المهم اننا نعمل اول واهم خطوة تخص بهاء ..
احنا لازم نكشف عليه بأقرب وقت
نظرت ام بهاء لي برجاء وهي ماتزال تحضن ابنها بحنان
ام بهاء: بس انا ليا طلب ارجوك ..
ارجوكم .. بلاش تعملوا الحاجات ديه .. ارجوكم .. لحد ما نشوف الدكتور ..
ممكن ؟؟
نظر لي بهاء .. وانا انظر لعيونه . وكأنه يترجاني الموافقة .. فأومأت برأسي فورا موافقا
انا: بوعدك يا ست حنان .. بوعدك ..ان ده مش هيحصل بينا .. لغاية ما الدكتور يكشف على بهاء..
شكرتني ام بهاء بشدة ..بعد ان كانت غابة مني قبل قليل .. وكان عليها ان تمدد من اقامتها معنا .. وهي تريد ان تصل لحل يرضي ابنها ويرضيها ..
بعد مرور الموقف بسلام ..
كثفنا من جهودنا للبحث عن افضل الاطباء المتخصصين في هذا المجال .. وحجزنا مواعيد مع اهمهم ..
لأننا قررنا ان نزور اكثر من طبيب .. لنرى ما يجمع عليه الاطباء في حالة بهاء.. وهل هي حالة عضوية حقا ام انها مجرد حالة نفسية اثرت على تكوين شخصية بهاء وانحرفت بها عن المسار الطبيعي .. وفي تلك الحالة .. سأكون قد خسرت الرهان انا وبهاء امام والدته .. وسنتحمل كل ما سيصدر منها من احكام وتصرفات ..
في حين ان الايام التي تلت هذا الموقف .. كانت اياما يطغى عليها الرتابة والروتين الصارم والمراقبة المستمرة من السيدة حنان ..التي فضلت ان تظل ملازمة لابنها حتى في الليل حيث تنام هي على السرير المنفصل في الغرفة .. بينما اخذ انا الأريكة في الصالة ..
كنت احاول ان اكسب احترامها ووودها واثبت لها ان ما اشعر به تجاه بهاء لم يكن مجرد نزوة عابرة ..بل هو وليد لمشاعر صادقة خلقت حالة حب حقيقي بيننا..
اخيرا اجمعنا كلنا على ان نزور طبيب معروف ولديه خبرة في المدينة واخذنا معه موعدا بعد جهود حثيثة ..
كان بهاء يشعر بالخوف .. والقلق .. وهو يسايرنا انا وامه في تلك اللعبة الخطرة .. ولم يكن يتمكن من مناقشتي بشأن مخاوفه في البيت .. بسبب مراقبة امه الدائمة لنا . لكننا كنا نستغل الجامعة واوقات الفراغ التي لا نحضر فيها محاضرات مهمة ..
بهاء: .. انا خايف قوي يا احمد .. بس بنفس الوقت .. انت بكلامك مع امي .. رجعتلي الامل .. وبقى عندي احلام كثيرة انك يكون عندك خق .. لأني انا نفسي من زمان ابقى بنت .. ومش زعلان على فكرة منك ولا من امي لأنكم راهنتوا عليا .. كل واحد حسب وجهة نظره ..
بس خايف قوي .. خايف من المستقبل المجهول الي جاي .. وخايف عليك ..خوف في خوف على كل حاجة
انا: انا .. فاهم كويس الاحساس الي بتمر فيه يا بهاء .. ومقدر مشاعرك دي كلها . بس صدقني .. هي دي اللحظة المهمة جدا في حياتك ..اللحظة الي لازم تواجه نفسك فيها .. وتواجه امك والمجتمع كمان.. لازم تعرف ايه الي خلاك تبقى كده .. وليه انت نش قادر تحس بالراحة ولا الامان .. ومين هو المسؤول عن كل ده ؟؟
بس .. خلي في بالك حاجة وحدة يا بهاء .. اني معاك .. معاك في كل الي هايحصل .. ومش هاتخلا عنك .. ابدا مهما كانت النتيجة ..
لان انا مش هاممني انك تطلع بنت او تفضل ولد .. عشان انا حبيتك انت. .. واخترتك انت .. ومابقاش مهم ولا يفرق كثير عندي ايه هو حكم المجتمع او الاهل علينا
بهاء يتأثر بكلامي كثيرا وتدمع عيناه
بهاء: يا حبيبي يا احمد !! قد كده بقيت انا مهم عندك ؟ قد كده بتحبني؟؟
انا: وهي دي محتاجة سؤال يا حبيبي بعد كل الي عشناه واتحملناه سوا مع بعض ؟ .. دي عشرة عمر وحب قديم .. كل الي حصل ان الحب ده ظهر تحت نور الشمس دلوقت..
بهاء: لولا ان الطلبة حوالينا ..كنت حضنتك .. انا بجد محظوظ انك بقيت في حياتي .. ومش عارف كنت هكون فين لولاك ..
انا: انا كمان محظوظ فيك يا حبيبي . عمري ما حسيت بسعادة كده من قبل ..الا وانا معاك .. ده لوحده سبب كافي اني اعيش معاك طول العمر ولا يمكن اسيبك
رد بهاء على كلامي بابتسامة وعيون مدمعة .. وهو لا يعرف كيف يرد علي .. احيانا الكلمات تفقد معنى المشاعر .. والصمت يكون اجمل من الكلام ..
يوم مقابلة الطبيب
الدكتور فارس بهجت .. طبيب امراض غدد صماء ومتخصص في علم امراض الوراثة .. واحد من اشهر الاطباء في المدينة التي فيها جامعتنا واستاذ فيها .. ولكنه يُدرس في كلية الطب بعيدا عن كليتنا ..
طبيب مخضرم ومشهور جدا ..
دخلت السيدة حنان مع ابنها عليه .. واحترمتُ رغبتها في الخصوصية العائلية فلم ادخل معهما مع ان نظرات بهاء كانت كلها رجاء لأرافقهما .. لكن ما باليد حيلة
بقيا عنده وقتا طويلا .. فهمت فيما بعد من بهاء .. ان ام بهاء .. شكت للطبيب من شكوكها حول وجود خلل هرموني في جسد بهاء ..
بينما سأله الطبيب بعد ذلك عن تاريخه الطبي منذ صغره .. واسترسل في اسألته .. واخيرا طلب عمل فحوصات دم دقيقة ومهمة جدا ..
كما قام بفحصه سريريا ..
كنا مضطرين أن ننتظر بضعة ايام قبل ان نعود لمراجعته مرة اخرى ..
وهذا ما حدث في العيادة بعد ان اطلع الطبيب على نتائج الفحوصات !
د.فارس: انا شكيت في حالة ابنك ..اول ما دخلتو من الباب .. ولما فحصته هنا عندي .. لاحظت ان ابنك يا سيدة حنان .. عنده ضمور حاد في الخصيتين .. وشاكك انهم متليفين للأسف
ام بهاء بخضة: ايه؟ يعني ايه ياا دكتور .. مش فاهمة قصدك ؟
الطبيب ينظر لبهاء الذي يبدو انه غير مهتم جدا بالنتائج .. بقدر اهتمامه بردة فعل امه !
د.فارس: يعني .. ابنك ماعندوش خصية تقدر تنتج هرمون الذكورة ولا الحيامن بنفس الوقت ..!
وده معناه قصور حاد في الوظيفة بتاعتها ..او الاصح .. فشل الوظيفة من الأساس.. وده هو السبب في بروز دور الهرمون الانثوي عنده !
ام بهاء: يعني يا دكتور .. هو بهاء عنده هرمون انثوي من الأساس!؟
د.فارس: كل انسان سواء كان ذكر او انثى عنده نسبة من الهرمونين سوا في جسمه .. وجودهم سوا طبيعي جدا .. لكن لكل منهم نسب محددة ..عند الذكور بالتأكيد يكون هرمون الذكورة التيستيرون بمعدلات عالية في الدم بمقابل الهرمون الانثوي الاستروجين .. الي بيكون في اقل مستوى ليه .. وطبعا العكس تماما بيحصل عند الأناث..
وملخص كلامي .. ان ابنك مش في أيده يختار يتحكم في الهرمونات بتاعة جسمه
لكن غياب وظيفة الخصية هو الي يدي مجال للهرمون الانثوي ان ينشط بقوة وياثر على شكله ومظهره وحتى تفكيره !
ام بهاء بحزن: طب ليه؟ ايه الي سبب ده ؟
د.فارس: عوامل كثيرة ماقدرش احددها دلوقت .. يمكن التهاب وهو كان اللي اثر على خصيتيه .. وممكن حاجات تانية ..
ولو عاوزين نتأكد اكثر من السبب ..ممكن نعمل ليه تحليل على المستوى الجيني .. تحليل الدي ان اي .. لأني شاكك انه يكون عنده مرض نادر لسمه (كلاين فيلتر سيندروم) .. والمرض ده هو المسؤول عن كل الحاجات ديه ..
ام بهاء بقلق: طب ابني ممكن يتعالج يا دكتور ؟ ممكن يرجع طبيعي زي بقية الناس ..
بهاء ينظر لها نظرة غريبة وهو صامت .. كأن كلامها لم يعجبه
د.فارس: ماقدرش احدد نوع العلاج الا بعد ما نعمل فحوصات تانية واشعة مقطعية .. وتحاليل كثيرة .. ولما نوصل للتشخيص النهائي ساعتها بس اقدر احددلك ايه الي احنا ممكن نقدر نعمله في حالة ابنك بهاء
ذرفت ام بهاء دموعها رغما عنها .. وعاد بهاء يمسك يد امه وهو يخبرها
بهاء: ماتبكيش يا ماما .. كله ده مش بادينا .. انا نفسي مش زعلان صدقيني ..
ام بهاء تواصل بكائها بصمت .
د فارس: انا متفهم شعورك يا ست حنان .. لكن هو ده قدر ابنك .. المهم اننا نكمل فحوصات ونشوف هنعمل ايه بعد كده .. اهم حاجة دلوقت هو الحالة النفسية لبهاء ..
من خبرتي .. فيه حالات ماتستحملش الاخبار ديه وتتأثر كثير ..
عشان كده انا هاوصي بعلاج نفسي لبهاء .. لغاية ما نوصل لتشخيص نهائي..
بعد تلك الاخبار من الدكتور فارس .. فضلت انا الابتعاد قليلا عن بهاء عند تواجد امه ..لكني كنت اعوضه وجودي في الجامعة لكي لا يشعر بالضعف او الوحدة او بالإحباط ..
طوال اسبوعين .. كانا من اصعب الفترات التي تمر على الجميع .. كنا في حالة ترقب لجميع تحاليل وفحوصات بهاء ..
اخيرا تم جمع جميع النتائج في ملف وتم حصره في يد د.فارس .. الذي طالب بحضور ام بهاء فقط لعيادته .. لأنه يفضل ان يعرف بهاء بحالته بالتدريج وبالطريقة الطبية الصحيحة فيما بعد ..
في عيادة الدكتور فارس
ام بهاء: انا مش فاهمة حاجة يا دكتور .. من كثر قلقي وخوفي على ابني ماعدتش اقدر اركز في حاجة ..
د.فارس: انا بعذرك طبعا ومقدر الي بتمري فيه يا ست حنان .. بس اول حاجة لازم تعرفيها ..انه مافيش اي حالة صحية ممكن تشكل اي خطورة من اي نوع على حياة ابنك .. فاطمني يا ست حنان .. مافيش اي داع للقلق
ام بهاء: هو ده خبر اه كويس .. بس انا لسه قلقانه على حياة ابني من كل النواحي .. عايزة اعرف كل حاجة عرفتها حضرتك عن حالته يا دكتور .. ارجوك
د.فارس بتعاطف: احنا وصلنا لتشخيص شبه مؤكد .. ان ابنك عنده خلل جيني كروموسومي مش بس خلل هرموني .. نتيجة لمرض نادر جدا.. والمرض النادر ده اسمه كلاينه فيلتر سندروم .. والي فيه المريض يتولد بكروموسوم زيادة بس من الي بيحددوا الهوية الجنسية !!
ام بهاء : يادكتور .. ارجوك .. خدني على قد عقلي وكلمني بوضوح اكثر بلغة اقدر افهمها .. ارجوك
د.فارس: حقك عليا .. بس ديه معلومات مهمة .. لازم تعرفيها
يتبع